
لم تكن الضربة الجوية التي نفذها الكيان الصهيوني في قلب العاصمة القطرية الدوحة مجرد حادث عسكري عابر، بل كانت رسالة صريحة وواضحة: إن الدول التي لا تصون كرامتها وسيادتها، تُصبح مسرحًا مفتوحًا للعدوان الخارجي، مهما كانت تحالفاتها وشراكاتها.
في مشهدٍ غير مسبوق، اخترقت الطائرات الصهيونية الأجواء القطرية، واستهدفت مكاتب ومساكن قيادات في حركة حماس، وعادت إلى قواعدها بسلام، دون أي تدخل قطري يذكر. الأخطر من ذلك، ما تردد عن أن طائرة بريطانية أقلعت من قاعدة في قطر لتزوّد الطائرات الإسرائيلية بالوقود في الجو، ثم عادت إلى قاعدتها القطرية. المفارقة المضحكة المبكية أن قاعدة عسكرية على أرض قطر استُخدمت لتسهيل العدوان على قطر نفسها.
الولايات المتحدة، الحليف “الاستراتيجي” للدوحة، اعترفت بأنها كانت على علم بالضربة. الرئيس ترامب نفسه قال إنه “حاول إخبار القطريين في اللحظات الأخيرة”، لكنه لم يقل إنه حاول منع الضربة أو التصدي لها. هذا التصريح وحده يكشف أن واشنطن لم تكن فقط على علم، بل كانت شريكة بالصمت والتمرير، إن لم نقل بالتخطيط.
أمريكا لا تعرف إلا لغة المصالح والقوة، والكيان الصهيوني يستمد شرعيته وحصانته من هذه الرعاية الأمريكية. ما جرى في الدوحة دليل حي على أن “التحالفات” مع واشنطن لا تحمي السيادة، بل تُضعفها وتحوّلها إلى ورقة ضغط بيد الكيان الصهيوني.
لعل المقارنة أوضح ما يُظهر الفارق بين الدول. عندما اعتدى الكيان الصهيوني على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حرب الاثني عشر يومًا، توقع أن يفرض عليها إرادته بالقوة. لكن الرد الإيراني كان بحجم التحدي: قصف، مواجهة، وإصرار على الدفاع عن الكرامة والسيادة. الرد الإيراني أجبر واشنطن نفسها على التدخل لوقف الحرب، بعدما أدركت أن استمرارها سيكلف الكيان الصهيوني أكثر مما يحتمل.
أما في الحالة القطرية، فلم يكن هناك رد، ولا حتى موقف سياسي جاد. كل ما صدر بيانات استنكار هزيلة لا ترقى إلى مستوى الحدث، ولا تعكس حجم الجريمة التي ارتُكبت بحق السيادة القطرية. والأسوأ أن الدول الخليجية والعربية لم تجرؤ حتى على تعليق اتفاقيات التطبيع أو وقف التعاون مع الكيان الصهيوني.
من المفارقات أيضًا، أن العالم بأسره – ومن ضمنه الدول العربية والخليجية – انتفض عندما قصفت إيران القاعدة الأمريكية في قطر ردًا على استخدام تلك القاعدة في العدوان عليها. يومها رُفعت الأصوات دفاعًا عن “السيادة القطرية”، رغم أن الضربة كانت موجهة إلى قاعدة أمريكية. أما اليوم، عندما استُهدفت العاصمة القطرية مباشرة، صمت الجميع واكتفوا ببيانات إعلامية لا تسمن ولا تغني.
أذن النتيجة واضحة:
• الدول التي تحافظ على كرامتها وسيادتها، مثل إيران في حرب الاثني عشر يومًا، تفرض احترامها حتى على أعدائها.
• أما الدول التي تفرط في كرامتها وتُسلم قرارها للآخرين، فإنها تتحول إلى ساحة مستباحة، لا تُحترم سيادتها، ولا تُصان أرضها.
الكيان الصهيوني لا يفهم إلا لغة القوة. هذا ما أثبتته الوقائع مرارًا: في لبنان، في غزة، في إيران، وفي كل ساحة واجه فيها مقاومة حقيقية. أما أمام الضعف، فإنه لا يتردد في ابتلاع الدول والسيطرة على قرارها السياسي والعسكري.
الضربة الصهيونية في قلب الدوحة لم تكن مجرد هجوم عسكري، بل كانت إهانة لسيادة دولة كاملة. والسكوت عنها سيبقى وصمة في جبين النظام العربي الرسمي الذي يكتفي بالبيانات بدل المواقف. التاريخ لن يرحم، والشعوب لن تغفر، لأن كرامة الأمة لا تُشترى بتحالفات، ولا تُصان إلا بالردع والقوة.