مقالات

عودة الكفاءات: كذبة السياسيين العراقيين الكبرى

بقلم: عماد الناصري

منذ سقوط النظام السابق في 2003 وحتى يومنا هذا، لم تتوقف القيادات السياسية العراقية عن الحديث عن ضرورة “عودة الكفاءات” إلى العراق. هذا الشعار، الذي تم ترديده بشكل مستمر في الخطابات السياسية والإعلامية، بات يُعتبر واحدًا من أكثر الشعارات فشلاً في تاريخ السياسة العراقية الحديثة. فالواقع يُظهر أن ما يُسمى بـ “عودة الكفاءات” لم يكن في يوم من الأيام سوى كذبة انتخابية تروّجها الأحزاب السياسية لتغطية حقيقة أن آلية توزيع المناصب في العراق تتم بناءً على الولاءات الحزبية والطائفية، وليس على أساس الكفاءة أو الخبرة، قائمة السفراء الاخيرة نموذجاً.

الحديث عن الكفاءات: من يروج ومن يحقق؟

لا يمكن إغفال أن العراق يزخر بالعديد من الكفاءات التي تمثل طاقات بشرية هائلة، سواء في المجالات العلمية أو الثقافية أو الاقتصادية. ولكن بدلاً من أن يتم استثمار هذه الطاقات بشكل حقيقي، نجد أن العراق أصبح وجهة غير مرحب بها لهذه الكفاءات. فأينما ذهبوا إلى الخارج، كانت دول أخرى أكثر استعدادًا لاستقبالهم وتوظيفهم، بينما كان العراق يواصل سياسة تهميشهم.

في البداية، كانت القوى السياسية تتحدث عن رغبتها في عودة هذه الكفاءات وإيجاد بيئة مناسبة لهم في العراق. لكن مع مرور الوقت، اتضح أن هذه التصريحات كانت مجرد وسيلة لتهدئة الرأي العام المحلي والدولي. حقيقة الأمر أن الكفاءات العراقية التي اختارت العمل في الخارج لا تجد في العراق بيئة ملائمة تُشجع على الابتكار أو تعطي قيمة حقيقية للعمل الجاد والمخلص.

التعيينات على حساب الكفاءة

في العراق، تتم عملية تعيين المسؤولين والقياديين في المؤسسات الحكومية بناءً على الانتماءات الحزبية والطائفية أكثر من كونها على أساس الكفاءة، قائمة السفراء الاخيرة دليل دامغ على هذا. إذا نظرنا إلى الطريقة التي يتم بها توزيع المناصب الحكومية، نجد أن السياسيين يعتمدون بشكل رئيسي على شبكة علاقاتهم الحزبية والقبلية، مما يضمن استمرار سيطرتهم على السلطة والمناصب في البلاد. ليس غريبًا أن نرى شخصًا يفتقر إلى الخبرة أو الكفاءة في مجال ما يتم تعيينه في منصب حساس وحيوي لمجرد كونه ينتمي إلى حزب معين أو طائفة معينة أو ابن او اخ فلان مسؤول.

إذا كانت الكفاءة هي المعيار، لكان الوضع في العراق مختلفًا تمامًا. ولكن في ظل السياسات الحزبية الحالية، يتم تجاهل هذه الكفاءات بشكل ممنهج. تجد أن أصحاب الخبرات والقدرات الحقيقية إما مُهملون أو مضطهدون، بينما يتم ترفيع أولئك الذين يتبعون خط الأحزاب الحاكمة فقط.

الواقع المؤلم: تضخم الرواتب والفساد

من الأمور التي تؤكد فشل الحكومات العراقية في الاهتمام بالكفاءات هي السياسة الاقتصادية غير المدروسة والفساد المستشري. على الرغم من الإيرادات الكبيرة التي يحققها العراق من النفط، إلا أن هذه الأموال لا تُستثمر في مشاريع تنموية أو تحسين بيئة العمل لمختلف شرائح المجتمع، خاصة الكفاءات.

الفساد داخل الحكومة يضمن أن الأموال تذهب إلى جيوب المقربين من الأحزاب والحكومة، بينما تُهدر فرص تطوير البلاد والارتقاء بمستوى العمل الحكومي والخدمات. إذا كانت الحكومة جادة في جذب الكفاءات العراقية من الخارج، لكان من المفترض أن تبدأ بتوفير بيئة حاضنة للابتكار والإبداع، وتعمل على محاربة الفساد المستشري، وتحقيق العدالة في توزيع الفرص.

المعادلة الصعبة: نفي الكفاءة واحتكار السلطة

ما يجعل مسألة عودة الكفاءات أكثر تعقيدًا هو أن السياسة العراقية الحالية تُبني على احتكار السلطة داخل مجموعة صغيرة من الأحزاب التي تسيطر على مفاصل الدولة. الكفاءات الحقيقية التي ترفض الانصياع للضغوط السياسية ولا تنتمي إلى أي حزب سياسي تصبح في نظر هذه الأحزاب تهديدًا لمصالحهم الخاصة. لذلك، لا نجد أي تحرك جاد نحو الاستفادة من هذه الكفاءات، بل يتم تجاهلهم وتهميشهم بشكل متعمد.

خلاصة: أزمة قيادة، لا أزمة كفاءات

إن أزمة العراق ليست في قلة الكفاءات، بل في عدم القدرة على استغلال تلك الكفاءات بسبب السياسات الحزبية الضيقة والتوجهات الطائفية. فكلما تكلم السياسيون عن “عودة الكفاءات”، فإنما يتحدثون عن شعار فارغ لا يعكس الحقيقة، بل هو أداة للتغطية على عجزهم في بناء دولة حقيقية. في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد العراقيين الذين يهاجرون طلبًا للفرص الأفضل، تظل حكومة العراق غارقة في لعبة المحاصصة والتوزيع الفئوي للمناصب.

زر الذهاب إلى الأعلى