مقالات

قطر تحت النار: إسرائيل تهدد مرتين وانهيار الثقة في أمريكا

ناجي الغزي/ كاتب وباحث سياسي

لم يكن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة مجرّد ضربة عابرة ضد قادة حماس، بل لحظة فارقة قلبت ميزان الأمن الخليجي رأساً على عقب. لقد اخترقت الطائرات الإسرائيلية سماء الخليج، وضربت في قلب العاصمة القطرية التي تستضيف أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، فيما اكتفت واشنطن بالصمت أو التأخير في الإبلاغ. ومنذ تلك اللحظة، انكشف عُريّ المعادلة التقليدية: النفط مقابل الحماية الأمريكية.

على مدى عقود، اعتقدت العواصم الخليجية أن استثمار مئات المليارات في السلاح الأمريكي، وتوقيع اتفاقيات القواعد، وضمان تدفق الطاقة للأسواق العالمية، كفيل بأن يجعلها تحت المظلة الأمريكية المحصّنة. لكن ما جرى في الدوحة كشف عكس ذلك، واشنطن لم تمنع نتنياهو من استهداف الوسيط القطري، ولم تدافع عن سماء الخليج، بل بدا أنها منحت الضوء الأخضر، أو على الأقل لم تعترض. هنا تحديداً اهتزت الثقة الذي ربطت دول الخليج بالولايات المتحدة منذ حرب تحرير الكويت عام 1991.

الضربة لم تُصب قطر وحدها، بل كانت رسالة إلى المنطقة بأسرها.! بأن إسرائيل قادرة على الوصول إلى أي عاصمة خليجية، وأن حسابات الردع لم تعد قائمة، وأن أمريكا لم تعد الضامن الحصري. هذا ما جعل التهديد الإسرائيلي الثاني على لسان النتن ياهو، بضرب الدوحة مجدداً إذا لم تُسلم قيادات حماس!! وهذا التصريح أكثر خطورة من العملية نفسها. فالتهديد العلني بعد وابل من بيانات الشجب والإدانة العربية أظهر أن إسرائيل لم ترتدع، وأن لغة (ندين ونرفض) لم تعد سوى صدى أجوف في فراغ استراتيجي.

لقد اجتمع القادة، وتنادت العواصم، وانطلقت البيانات المدوية من القاهرة والرياض وأبوظبي وعمان، وذهب محمد بن زايد إلى الدوحة، وخرجت التصريحات التي وصفت إسرائيل بالدولة المارقة. ومع ذلك، كان جواب النتن ياهو: سأقصف ثانية. هذه اللحظة عرّت الوهم الذي عاشه صانع القرار العربي طويلاً، بأن الضجيج الإعلامي والدبلوماسي قادر على فرملة التمدّد الإسرائيلي.

ومن خلال هذه القراءة لمشهد الاحداث يتضح لنا هناك ثلاث معضلات كبرى:

اولاً: أزمة الثقة مع أمريكا: إذا كانت قاعدة العديد لم تمنع الهجوم الأول، وإذا كان البيت الأبيض علِم متأخراً أو اختار أن يعلم متأخراً، فما الذي تبقى من التحالف الاستراتيجي؟ هذه ليست خيبة قطر وحدها، بل خيبة خليجية عامة.

ثانياً: فشل منطق البيانات: الخطاب العربي الجماعي لم يعد يُخيف أحداً. بل على العكس، أصبح مدعاة لسخرية إسرائيلية، وذريعة لمزيد من التحدي. فبعد 48 ساعة من “الزعيق”، خرج التهديد الثاني.

ثالثاً: قطر بين وساطتها واستهدافها: الدوحة بعد كانت لاعباً محورياً في المفاوضات حول غزة، لكنها الآن مطالبة بأن تختار بين استمرار دورها كوسيط يحتضن حماس، وبين الانصياع للضغط الإسرائيلي الأمريكي. وهو خيار مصيري سيحدد مستقبل سياستها الخارجية.

بهذا المعنى، ما جرى ليس شأناً قطرياً بحتاً، بل زلزالاً في النظام الأمني الإقليمي بأسره. عام 2019، حين استهدفت أرامكو، قال كثيرون إن أمريكا تخلّت عن السعودية. اليوم، مع استهداف الدوحة، بات التخلي معلناً، والمشهد أكثر وضوحاً. الولايات المتحدة لم تعد الضامن، وإسرائيل تملأ الفراغ بسطوة القوة.

ماهي السيناريوهات المحتملة لو نُفذ الكيان الإسرائيلي التهديد الثاني؟

السيناريو الاول: انهيار الثقة

اذا قامت إسرائيل بتنفيذ ضربة ثانية داخل قطر، مستهدفة قيادات حماس أو مواقع يُشتبه بوجودهم فيها. في هذه الحالة، تنهار الثقة الخليجية نهائياً بالولايات المتحدة، وتتحول البيانات العربية إلى أوراق لا قيمة لها. هذا السيناريو يُظهر أن إسرائيل باتت القوة الوحيدة القادرة على فرض قواعد جديدة في الخليج، دون اعتبار لأي تحالفات قائمة.

السيناريو الثاني: انزلاق غير مقصود لايران

هل يمكن أن تذهب قيادات حماس إلى إيران؟ وهل إمكانية الانتقال واردة، خاصة إذا شعرت حماس أن قطر لم تعد مكاناً آمناً بعد الضربة والتهديد الإسرائيلي الثاني؟

إيران تاريخياً استضافت بعض قيادات حماس، ولها علاقات مالية وعسكرية معهم. لكن الاستضافة العلنية هذه المرة ستضع طهران في مواجهة مباشرة مع إسرائيل وأمريكا، وربما تدخل ايران بانزلاق غير مقصود. إذا استقبلت طهران قيادات حماس، فهذا يُقرأ كـتحدٍ مباشر لإسرائيل ورسالة بأنها مستعدة للمواجهة، وهنا قد تجد طهران نفسها مجبرة على الرد المباشر، في حال تعرضت الى اي عدوان. هذا السيناريو وارد لكنه محفوف بالمخاطر، لأنه قد يفتح مواجهة شاملة لا تريدها إيران الآن.

السيناريو الثالث: الدفاع الخليجي

قد تدفع الضربة الثانية دول الخليج إلى تسريع خطوات بناء مظلة دفاعية مشتركة، أو حتى التفكير بتحالفات بديلة مع روسيا أو الصين. لكن هذا السيناريو يتطلب وقتاً طويلاً وتوافقاً سياسياً مفقوداً، ما يجعله احتمالاً مؤجلاً أكثر من كونه خياراً فورياً.

السيناريو الرابع: الأمريكي المصلحي

قد تستغل واشنطن الضربة الثانية لتسويق نفسها مجدداً، مدافعا وراعياً لهم، فتدعو الخليج إلى شراء المزيد من السلاح الأمريكي بحجة تعزيز الردع، دون أن تتدخل فعلياً لوقف إسرائيل. بهذا يتحول أمن الخليج إلى سلعة ربحية بدل أن يكون التزاماً استراتيجياً.

زر الذهاب إلى الأعلى