
هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم صفة “النخبة”، ليسوا سوى طبقة مستأجرة للزيف، يبيعون الكلمات في سوق النفاق، متشحين بلباس الثقافة والحداثة، لكن حقيقتهم أوضح من أن تُخفى: مجرد “زبابيگ أربيل”
كتب / سلام عادل
في بلد يواجه تحديات معقدة، من بناء الدولة إلى صيانة الحريات، تطلّ علينا فجأة مؤتمرات “مستوردة” تحمل أسماء براقة وشعارات منمقة، كالذي حصل في مؤتمر “بوينت عراق” في أربيل، الذي جاء ليقدّم مثالاً صارخاً على هذه المتاجرة الثقافية، حين اعتلت “نخبة” مصنوعة منصاته لتناقش، بجدية مصطنعة، سؤالاً بعنوان: “ماذا تبقى من الديمقراطية في العراق؟”، وكأن أربيل تحوّلت فجأة إلى عاصمة الديمقراطية، لا إلى ساحة تُدار فيها السياسة على مقاس عائلة واحدة، تحت سطوة عشائرية تُكمم الأفواه وتقمع الصحافة وتطارد الناشطين.
والمفارقة، التي لا يمكن التغاضي عنها، أن بغداد وسائر المحافظات الاتحادية، رغم كل التحديات والصراعات، لا تزال مساحة رحبة لممارسة النقد، والتظاهر، ورفع الصوت المعارض، إلى درجة تصل أحياناً إلى حد الفوضى، وسط حريات حقيقية، ومناخا يتيح مناقشة القوانين لدرجة التسقيط، ومعارضة سياسية تعلن عن نفسها، وصوت صحافة لا يُمكن إسكاته.
أما في أربيل، حيث عُقد المؤتمر، فالمشهد مختلف تماماً:
• صحفيون معتقلون أو مطاردون بتهم ملفقة.
• أحزاب معارضة صامتة تحت ضغط القمع الأمني.
• مجتمع مدني مقيد بخيوط العائلة الحاكمة.
• فضاءات إعلامية خاضعة بالكامل للرقابة والولاء.
ورغم هذه الحقائق الملموسة، جاء “المؤتمر” ليقدّم صورة معكوسة، يوهم الحاضرين بأن العراق يعيش على هامش الديمقراطية بينما أربيل نموذجها المتطور! إنها مسرحية بروباغندا، تُدار بتمويل مشبوه وأجندات إعلامية تهدف إلى إعادة تدوير الوجوه ذاتها، التي اعتادت تلميع المستبد وتزويق زيفه.
هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم صفة “النخبة”، ليسوا سوى طبقة مستأجرة للزيف، يبيعون الكلمات في سوق النفاق، متشحين بلباس الثقافة والحداثة، لكن حقيقتهم أوضح من أن تُخفى: مجرد “زبابيگ أربيل”، أدوات صغيرة للطحن الصوتي، لا تملك فكراً ولا موقفاً، بل مجرد ضجيج مأجور.
إن ما جرى في أربيل لا يمكن اعتباره نقاشاً عن الديمقراطية، بل كان إعلاناً صريحاً عن موتها هناك، فحين يُمنع المواطن الكردي من قول كلمة حق، ويُكمم الصحفي، ويُساق المعارض إلى السجن أو المنفى، لا يحق لأحد أن يتحدث عن الديمقراطية باسم أربيل.
وفي الختام .. المؤتمر لم يكن سوى بازار ثقافي تُعرض فيه شعارات على شكل بضاعة مغشوشة، ويتسابق فيه “المثقفون” على بيع أصواتهم لمن يدفع أكثر، وهكذا، تتحول الديمقراطية من قيمة إنسانية عليا إلى سلعة رخيصة، يديرها “زبابيگ أربيل” بطنينهم الممل، بلا أثر ولا معنى.


