
اصبحنا في زمن شُتِّت فيه العقل واتبع فيه هواه المزيف عبر نافذة مبهرة معروضة على شاشات الهواتف، فباتت المقارنة عادة يومية تكاد لا تنفصل عن حياتنا.
لم تعد المقارنة مرتبطة بإنجاز جارٍ أو قريبٍ فقط، بل اتسعت دائرتها لتشمل أشخاصًا لا نعرفهم أصلًا، نراهم في لحظات منتقاة بعناية، فنظن أن حياتهم بأكملها خالية من العيوب.
لكن المقارنة المستمرة تُضعف ثقة الفرد بنفسه، لأنها تضعه دائمًا في موقع المتأخر، حتى لو كان يحقق نجاحاته الخاصة.
يصبح الإنسان أسيرًا لصورة مرسومة من الخارج، فيفقد قدرته على رؤية قيمته الحقيقية.
ومع مرور الوقت، تتنامى مشاعر النقص والقلق، ويضعف الرضا الداخلي الذي هو أساس الصحة النفسية، كما تجلب هذه المشاعر لحاملها التوتر والغضب على مجتمعه ومحيطه الداخلي او حتى العائلي.
فالنقص بحد ذاته أداة لتدمير قدرات الانسان وعقوبة تمسك بيده نحو الخنوع لما وراء الشاشة، غير ان المشكلة ليست في المقارنة بحد ذاتها، بل في تحويلها إلى ميزان دائم لمفهوم الشخص لذاته.
فلتكن مقارنتنا إيجابية كي تدفعنا نحو عالم التطور، حين نستلهم من الآخرين تجربةً أو فكرة، أما حين تتحول إلى عادة لا تهدأ، فإنها تصبح عبئًا يسحق الإبداع ويزرع الإحباط.
إن مواجهة مقارنة الثقافات تبدأ من إعادة تعريف النجاح والسعادة، فكل فرد يمتلك مساره المختلف، وظروفه الفريدة وطاقاته الخاصة بعيدا” عن الإندماج القسري في أي نمط اجتماعي اخر.
الوعي بهذه الحقيقة يعيد للفرد ثقته بذاته ويذكّره أن المقارنة الوحيدة المجدية هي مقارنة نفسه بما كان عليه بالأمس، لا بما يعيشه الآخرون اليوم.
فدى الحاج
كاتبة من لبنان


