الشرق الأوسط الجديد: من التطبيع إلى التبعية.. إسرائيل تكشف أوراق الهيمنة
د. عباس مزبان العيساوي

إسرائيل تقدم نفسها على أنها القوة المهيمنة والحليف الاستراتيجي الأبرز للغرب في الشرق الأوسط، وتعمل حاليا على إيصال رسالة مفادها أن القواعد القديمة التي حكمت العلاقات الإقليمية لم تعد سارية.
فبعد أن كانت اتفاقيات ( التطبيع ) خطوة نحو الانفتاح التدريجي كما توهمت الكثير من الدول العربية ، تحول المسار اليوم نحو فرض منطق الهيمنة والخضوع، حيث تسعى ( إسرائيل ) إلى إعادة تشكيل المنطقة وفق رؤية الكيان الصهيوني الغاصب ، معتمدة على سياسة القوة والاخضاع، وليس على مبادئ ( التعايش أو المصالح المتبادلة ) كما اوهمت امريكا دول المنطقة .
وخير مثال على ذلك ما تواجهه قطر، التي تعد حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة، وتتمتع بعلاقات دفاعية واقتصادية متينة معها، بما في ذلك وجود قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة على أراضيها وموقعها ضمن قائمة الحلفاء الرئيسيين لواشنطن خارج حلف الناتو. ومع ذلك، فإن التصعيد الإسرائيلي الأخير تجاهها يؤكد أن لا أحد في مأمن من سياسة الاخضاع هذه، بما في ذلك الدول التي تعتبر ضمن المنظومة الخليجية والتحالف الأمريكي.
هذا التصعيد ليس مجرد رسالة ترهيب لقطر فحسب، بل هو إعلان واضح أن إسرائيل لا تتردد في تجاوز كل الخطوط الحمراء، حتى لو كان ذلك يعني استهداف حلفاء واشنطن المقربين. وهو ما يطرح تساؤلات كبيرة حول مدى جدية الضمانات الأمريكية لأمن حلفائها، وفعالية التحالفات القائمة في مواجهة سياسة القوة الإسرائيلية المتنامية.
اليوم، لم يعد خفيا أن إسرائيل تسعى إلى تمزيق النسيج الجيوسياسي للمنطقة، وإضعاف دولها، وجعلها خاضعة لإرادتها، تحت شعار الأمن المشترك الذي تروجه، لكنه في حقيقته يعني الأمن وفق الشروط الإسرائيلية فقط.
لقد انكشفت حقيقة أن الولايات المتحدة لم تعد حليفا موثوقا به بالشكل الذي كان يظن، وأن سياساتها تتغير وفق مصالحها الضيقة، حتى لو كان على حساب استقرار وحماية حلفائها.
في هذا السياق، يصبح من الضروري على الدول العربية مراجعة سياساتها الإقليمية، والخروج من شرنقة الخطاب القديم، وبناء استراتيجية أمنية مستقلة تعيد تعريف التحالفات وتوازنات القوى في المنطقة. فلم يعد مقبولا الاستمرار في سياسة التبعية او التطبيع أو الانكفاء، خاصة في ظل وجود قوة توسعية تعمل على إفشال أي محاولة لنسف حتى التطبيع المخزي الذي انساق له العرب ، وتسعى بدلا منه إلى فرض هيمنتها تحت مسميات مثل رسم خارطة شرق اوسط جديد أو التطبيع القسري.
المنطقة أمام مفترق طرق: إما الاستمرار في سياسة التبعية والتفكك، أو البدء في صياغة رؤية عربية موحدة تقوم على التضامن الاستراتيجي، وتوازن القوى، وإعادة بناء الأمن الجماعي بعيدا عن الهيمنة الخارجية.
آن الأوان لوقف الوهم بأن حليفا خارجيا سيوفر الحماية، وبدء العمل الجاد نحو تأمين المصالح العربية بيد عربية.


