
الاثنين 22/9/2025
الـمـقــدمــة
تتمتع محافظة البصرة بموقعٍ استراتيجيٍ فريدٍ بوصفها النافذة البحرية الوحيدة للعراق على الخليج العربي ، هذا الموقع لا يمنح البصرة أهمية جغرافية فحسب ، بل يضع أمامها فرصاً اقتصادية متعددة قادرة على تنويع القاعدة الإنتاجية للبلاد بعيداً عن الاعتماد الكلي على النفط وإن من بين هذه الفرص، يبرز تطوير (مراسي الزوارق في قضاء الفاو وناحية أم قصر)والخدمات البحرية المصاحبة ، إلى جانب تفعيل (السياحة النهرية والبحرية) داخل الحدود البحرية العراقية، كرافدٍ واعد لتوليد الدخل المحلي، وخلق وظائف جديدة ، وتحسين ربط البصرة بالأسواق الإقليمية ، من خلال عقد اتفاقية لتنظيم الملاحة من جانب والتبادل السلعي من جانب آخر.
عند الحديث عن الامتداد الساحلي فلا بد من توضيح مفهوم «طول السواحل» مقابل «الامتدادات الإدارية» فإن المسافات بين نقاط محورية مثل الفاو وأم قصر تقارب (50–60 كيلومتراً) ، مقارنةً بدول الخليج التي تتمتع بسواحل أكبر نسبياً .
وهنا يطرح سؤال : لماذا التركز على مراسي الزوارق والسياحة النهرية والبحرية في البصرة؟
الجواب كالتالي:
1-. أثر اقتصادي ملموس وسريع: مراسي الزوارق عند تأهيلها وتزويدها بخدمات لوجستية أساسية فإنها تولّد إيرادات تشغيلية من رسوم المرسى، والتحصيل على خدمات الوقود، والتبريد، وموقف القوارب، بالإضافة إلى زيادة الطلب على خدمات الضيافة والسياحة.
2-. قيمة مضافة لقطاع الصيد: بتوفير معامل ثلج ووحدات تبريد ومراكز تعبئة وتسويق للأسماك البحرية المتنوعة فإن ذلك سيرتفع من سعر المنتج السمكي المحلي ويزداد تنافسيته في الأسواق المحلية والإقليمية ، كون الأسماك البحرية غنية بالقيمة الغذائية العالية مقارنةً بالأسماك النهرية مثل سمك الكارب وغيره من الأسماك الأخرى.
3-. تنويع السياحة: السياحة النهرية في شط العرب والرحلات القصيرة في المياه الإقليمية تمثّل فرصة لمنتجات سياحية موسمية وطويلة الأمد (رحلات بيئية، مطاعم عائمة ، تجارب ثقافية نهرية، وحتى رحلات للغوص والاستكشاف البحري).
4-. الأمن والتنظيم: اعتماد نظم إدارة مرسى فعالة مع إلزام تركيب أجهزة تتبع (GPS) لجميع الزوارق (كبيرها وصغيرها) يفتح المجال لإدارة مرنة لحركة الزوارق ، تحسين الاستجابة بحالات الطوارئ (بشرط انشاء مركزاً متخصصاً ومجهزاً لحالات الطوارئ) ، ولتقليل عمليات التهريب أو المخالفات البحرية.
أولاً : التقسيم المكاني المقترح لسواحل البصرة :
بناء على خرائط محافظة البصرة يمكن تقسيم سواحل محافظة البصرة للاستثمار التشغيلي إلى منطقتين عمليتين عند إعداد مشاريع مراسي الزوارق:
أ-. المنطقة الجنوبية (ناحية أم قصر – قضاء الفاو) والمسار الثاني (ناحية أم قصر- قضاء الزبير على طول قناة خور الزبير من الجانبين) : منطقة حيوية لقربها من موانئ التجّار والتبادل البحري ، يمكن تخصيصها لمراسي خدمات الصيد والزوارق التجارية الصغيرة واللوجستية.
ب-. المنطقة الشمالية (قضاء الفاو – مروراً بقضاء أبي الخصيب ووصولاً الى قضاء شط العرب بمسافة تقدر بـ(110 كم) على طول الجانبين ) تشمل الضفاف والنهرية الممتدة نحو شط العرب، وهي مناسبة لرحلات نهرية وسياحة داخلية ومشاريع ترفيهية قرب المجتمعات المحلية.
هذا التقسيم المبيّن قد يوفّر أساساً عملياً لتحديد مواقع مراسي متعددة الأحجام (صغيرة للزوارق المحلية، متوسطة لليخوت، ومحطات خدمة لعمليات الصيد) ولتوزيع الموارد اللوجستية والخدمية بكفاءة.
ثانياً : المواصفات والخدمات المقترحة لمراسي الزوارق :
تنقسم أولويات البنية الأساسية (Base requirements) الى التالي :
1-. حوض رسو وممرات وصول محمية من الأمواج.
2-. محطة وقود بحرية آمنة مع أنظمة مكافحة الحرائق والصرف.
3-. محطات مياه عذبة وخدمات صرف صحي مؤقتة.
4-. موقف منظم ومصنف حسب طول الزورق وقدرته، مع نظام حجز إلكتروني.
5-. محطة طوارئ وسلامة بحرية (خدمات إنقاذ، قوارب سحب، معدات إسعاف أولي).
الخدمات الداعمة ذات العائد الاقتصادي (Value-added services) :
1-. معمل ثلج ووحدات تبريد مبردة عبر الطاقة الشمسية إن أمكن ذلك.
2-. ورش صيانة محركات و(بدن القوارب) ، ومزود قطع غيار محلي.
3-. مكاتب إدارية لخدمات التصاريح ، والتأمين ، والشهادات الصحية للأسماك.
4-. خدمات عصريّة للاتصالات (إنترنت، أجهزة الاتصال التي تعمل بموجات الـ( UHF أو VHF) فضلاً عن تطبيقات ربط المرسى.
الخدمات السياحية (Tourism-focused) :
1-. رصيف لليخوت والسفن الصغيرة مع مرافق ضيافة ومطاعم عائمة.
2-. منصات انطلاق للرحلات النهرية في شط العرب ذات محتوى ثقافي وبيئي.
3-. مناطق عرض للأسواق السمكية المحلية والمنتجات البحرية المرتبطة بالتراث البصري.
ثالثاً : إلزام تثبيت أجهزة التتبع الـ( GPS) :
السؤال هنا لماذا إلزامي؟
1-. تعزيز الأمن : تحديد مواقع الزوارق في الزمن الحقيقي يقلل عمليات التهريب ويمنع النشاطات غير المرخصة.
2-. السلامة والإنقاذ: تسريع الاستجابة في حوادث الغرق أو العطل.
3-. إدارة المراسي: مراقبة إشغال الأرصفة ، جدولة خدمات الوقود ، والتعامل مع الازدحام.
4-. الشفافية والإيرادات: إمكانية تحصيل رسوم استخدام المرسى بناءً على بيانات الحركة الفعلية.
تصميم نظام التتبع الإلزامي:
1-. جهاز( GPS ) مطابق للمواصفات البحرية مثبت على كل زورق (صغير- كبير).
2-. وحدة اتصالات تنقل الإحداثيات إلى مركز بيانات المرَسى عبر شبكة الاتصال الهاتفي الأرضي أو شبكات الجوال المحلية ، أو من خلال الأجهزة اللاسلكية ( UHF أو VHF)
3-. منصة برمجية مركزية تعرض الخرائط الحية ، إشعارات الإنذار، وتخزين السجلات لأغراض التخطيط والرقابة.
4-. سياسات حماية البيانات والخصوصية: بيانات الحركة تخزّن لمدة زمنية محددة وتُستخدم لأغراض أمنية وإدارية فقط.
5-. آلية عزل وحجب لأي زورق لا يركب الجهاز – عقوبات إدارية وتشغيلية (حظر رسو-تحصيل غرامات).
رابعاً : البيئية والتنظيمية والمالية
الحماية البيئية:
1-. إنشاء وحدات لمعالجة النفايات البحرية ومنع تصريف المياه الملوثة.
2-. برامج طوارئ لمكافحة التسربات النفطية.
3-. استراتيجيات لصيد مستدام مع مواسم وإشراف لمنع الإفراط في الصيد.
الإطار التنظيمي:
1-. عقد شراكات واضحة بين بلدية البصرة، هيئة النقل البحري، وقوات خفر السواحل.
2-. نظام تراخيص موحّد للمرسى، اشتراطات للسلامة، وإلزام (تركيب GPS) كشرط لإصدار الرخصة.
التمويل والنماذج الاقتصادية:
1-. نموذج شراكة (PPP) لتقاسم التكاليف الأولية (بناء الأرصفة، المنشآت الأساسية) مع تحصيل إيرادات من رسوم الخدمة والأنشطة السياحية.
2-. حوافز ضريبية وبلدية للمستثمرين الذين يلتزمون بمعايير البيئة والطاقة النظيفة.
خامساً : نماذج مراسي الزوارق في الدول السياحية وتجارب الإيرادات
تُظهر التجارب العالمية في الدول ذات السواحل السياحية كيف يمكن لمراسي الزوارق أن تتحول من مجرد نقاط رسو إلى منصات اقتصادية متكاملة تدر عوائد مستمرة.
1-. نموذج تركيا (سواحل أنطاليا وبودروم)
تمتلك تركيا شبكة مراسي متطورة على طول ساحلها المطل على البحر المتوسط وإيجة.
الإيرادات تأتي من التالي:
أ-. (رسوم الرسو (تُحسب بالليلة أو الشهر حسب طول الزورق.
ب-. خدمات الوقود والمياه : التي تمثل نسبة مهمة من الدخل اليومي.
ج-. الخدمات السياحية : مثل المطاعم والمقاهي والأسواق المحلية داخل المرسى.
تشير تقارير الاستثمار السياحي إلى أن بعض المراسي في أنطاليا تحقق (إيرادات سنوية تتجاوز 10–15 مليون دولار) من الخدمات المباشرة ، دون احتساب الإيرادات غير المباشرة المرتبطة بالفنادق والنقل.
2-. نموذج الإمارات (دبي وأبوظبي)
المراسي هناك جزء من منظومة سياحية مترابطة تشمل الفنادق العالمية.
مصادر الدخل هي كالتالي :
أ-. خدمات وقود ومياه وثلج بأسعار أعلى من السوق ، لكنها تقدم بجودة وخدمات إضافية.
ب-. عقود طويلة الأمد مع مالكي اليخوت الخاصة.
ج-. خدمات أمنية متطورة (مراقبة بالكاميرات، بوابات دخول مشفرة) .
*في مرسى دبي، تصل رسوم ركن اليخوت الفاخرة إلى آلاف الدولارات شهرياً، ما يجعل المرسى مركزاً اقتصادياً قائماً بذاته.
3-. نموذج اليونان (الجزر السياحية مثل سانتوريني وميكونوس):
أ-. تعتمد على السياحة البحرية الموسمية، حيث تتضاعف الإيرادات في الصيف.
ب-. الخدمات الرئيسية : (رسو قصير الأمد، وقود، مياه، خدمات سياحية ، جولات بحرية، مطاعم، أسواق محلية)
ج-. الإيرادات تساهم بما يصل إلى (20-30%) من دخل بعض الجزر السياحية عبر الخدمات البحرية وحدها.
الخاتمة
1-. تحديث خرائط السواحل والنطاقات الإدارية بدقة باستخدام نظم معلومات جغرافية (GIS) قبل الشروع في تنفيذ أي مشروع لتفادي سوء تقدير الأطوال والامتدادات. (Wikipedia)
2-. إطلاق مشروع تجريبي في مرسى واحد (جنوب أم قصر أو موقع شمالي على شط العرب) لقياس الأثر المالي والبيئي قبل التوسع.
3-. إلزامية تركيب GPS على مستوى المحافظة كشرط للرخصة ، مع نظام مركزي للمراقبة والتدخل السريع.
4-. الشراكة مع القطاع الخاص لتوفير التمويل والتشغيل، ومع المنظمات الدولية لتقديم خبرات تقنية ودعم بيئي.
5-. خطة زمنية تنفيذية : (سنتان للتجهيز والبنى الأساسية + سنة تشغيل تجريبي + 3 سنوات للتوسع المدروس).

