مقالات

الجريمة بالكلمة:  عبد الرزاق عبد الواحد أنموذجا

علي المؤمن

ضمت المنظومة العقيدية البعثية شخصیات من مختلف الاختصاصات؛ بينهم سياسيون مثل: صدام حسين، وسعدون حمادي، وطارق عزيز، وسعدون شاكر، وعسكريون مثل أحمد حسن البكر، وحماد شهاب، وسلطان هاشم، وعدنان خير الله. كما ضمت مثقفون مثل ميشيل عفلق، ومنيف الرزاز، وشفيق الكمالي، وناصيف عواد، وعبد الرزاق عبد الواحد.

هؤلاء جميعاً يشكلون شبكة من الأدوات التي تكمل بعضها البعض، فهم شركاء متضامنون في كل أشكال الجرائم التي ارتكبتها المنظومة البعثية منذ احتلالها العراق في العام 1968، سواء كانت الأداة قراراً سياسياً أو قضائياً، أو أمراً عسكرياً وأمنياً، أو نظرية وفكرة، أو شعراً ونثراً.

لقد كان عفلق، والرزاز، وعبد الرزاق عبد الواحد، والكمالي، وعبد المجيد الرافعي، وهادي العكايشي وغيرهم، ينفذون جرائمهم بسلاح الكلمة، وهو السلاح الذي ينظِّر للجريمة باستخدام السلاح الناري، ويمهد لها، ويسوغها، ويمتدحها، ويشجع المجرم على ارتكابها.

وعليه، أطرح الأسئلة التالية، متمنياً أن أحصل على إجابات منهجية علمية، بعيداً عن الشخصنة والاتهامات والانفعالات:

1- هل جريمة الكلمة، وحرف أذهان الناس، وتزييف وعي الأمة، والتنظير للجريمة، وتسويغها، وامتداحها، تختلف عن جريمة القرار السياسي والجريمة المسلحة؟ وأقصد بذلك الفرق بين جرائم مثقفي البعث وجرائم سياسييه وعسكرييه.

2- لماذا يجوز تأبين مجرمي البعث من المثقفين والشعراء والفنانين، ولا يجوز تأبين سياسييه وعسكرييه؟ والحال أنهم جميعاً قتلة، سواءً قتلة بالكلمة الثقافية والأدبية والإعلامية والفنية، أو قتلة بالقرار السياسي، أو قتلة بالبندقية؟

3- إذا كان معيار تأبين عبد الرزاق عبد الواحد هو أنه امتدح الحسين في إحدى قصائده، فإن عفلق لديه مديح في الرسول الأعظم، وأسمى ابنه محمداً. وصدام ـ هو الآخر ـ لديه مديح في الإمام علي، وحمادي والجزراوي وبرزان لديهم مديح في الإمام الحسين، فهل يجوز أن نؤبن عفلق وصدام وبرزان لمجرّد أن لديهم كلمات في مديح أهل البيت؟ وما الفارق في هذه الحالة بين سياسيين بعثيين امتدحوا الحسين، وبين شاعر بعثي كعبد الرزاق امتدح الحسين أيضاً؟

هل يكفي الإبداع المهني ليصبح صاحبه رمزاً إنسانياً ووطنياً، حتى لو اُستخدم هذا الإبداع في ارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية والوطن والشعب؟

وحقيقة، من المستغرب مقارنة مديح بعض الشعراء للسلاطين الظالمين، بمديح عبد الرزاق عبد الواحد للبعث وصدام، مثل محمد مهدي الجواهري. ويبدو أن من يقارن في هذا المجال لا يعرف الجواهري وظروفه، ولا يعرف عبد الرزاق وانتمائه. فعبد الرزاق عبد الواحد، كناصيف عواد، وشفيق الكمالي، وهادي العكايشي، وداوود القيسي، هو بعثي فاعل وقاتل بالكلمة، وليس مجرد مداح لصدام. وظلّ حتى موته جزءاً من المنظومة البعثية الأموية، ويدافع عنها باستماتة، ويعبر عن مواقفها بدقة.

إن جريمة عبد الرزاق، كما ذكرنا، تكمن في أنه لم يمتدح صدام وحسب، بل كان جزءاً من منظومة الجريمة البعثية، وكان يمهد لجرائم صدام، ويسوغ لها، ويمتدحها. وبالتالي، فهو يختلف كلياً عن الشعراء والكتّاب والمغنين الذين امتدحوا صدام مضطرين أو مجبرين، أو الذين كانوا مغفلين؛ بل أن أغلبيتهم لم يكونوا جزءاً من منظومة الجريمة. ولذلك، عادوا فيما بعد إلى حضن الشعب والوطن. أما عبد الرزاق عبد الواحد، فقد بقي حتى آخر رمق يتغنى بجرائم صدام ويدافع عنها ويبررها، ثم دعمها بدفاعه عن داعش، ودعواته لإسقاط العراق، وعودته إلى داعش والبعث.

فهل يمكن أن يكون لشاعر هكذا رمزية إنسانية ووطنية وثقافية؟ رموز الوطن هم الذين دافعوا عن الوطن وشعبه ومظلوميته وضحاياه، وقدموا للوطن فعلاً إنسانياً، لا أن يقولوا للمجرم: «إبطش… اقتل… اذبح… دمر… خرب… اسرِق… حارب».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

زر الذهاب إلى الأعلى