
مع اقتراب موعد الانتخابات في العراق، يبرز سؤال جوهري من يملك حق الاعتراض على الحكومة التي ستتشكل لاحقاً؟ الجواب من الناحية الدستورية والسياسية واضح الحق يملكه من شارك وصوّت، لا من قاطع وابتعد.
النظام الديمقراطي في العراق قائم على مبدأ التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع. ومن يقرر المشاركة، سواء بالتصويت لمرشح أو كتلة أو حتى بالورقة البيضاء، فإنه يثبت حضوره في العملية السياسية ويمنح نفسه شرعية الاعتراض لاحقاً.
أما المقاطع، فهو عملياً يعزل نفسه، وبالتالي لا يملك أن يطعن بنتائج لم يكن جزءاً من صناعتها.
من الناحية القانونية، تستمد العملية الانتخابية شرعيتها من الدستور العراقي الذي يؤكد في المادة (5) أن السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها . هذه السيادة يمارسها الشعب عبر الاقتراع العام السري المباشر. فالمشاركة هي التفعيل العملي لهذه المادة، وهي التي تمنح المواطن صفة ومصلحة قانونية في مراقبة ومساءلة السلطات التي انبثقت عن إرادته. وبدون هذه المشاركة، يصبح الاعتراض على شرعية الحكومة نفسها، وليس على أدائها، موقفاً يفتقر إلى السند الدستوري الذي انطلق منه المشاركون.
التظاهر حق مكفول بالدستور العراقي، لكن لا يمكن لمن رفض خوض التجربة الانتخابية أن يخرج لاحقاً ليطعن في شرعية حكومة تشكلت من أصوات ملايين غيره. فالمقاطعة ليست موقفاً معارضاً بقدر ما هي فراغ سياسي يترك المجال لغيره ليقرر بالنيابة عنه.
الحكومة القادمة، أيّاً كان شكلها، ستحمل تفويضاً مباشراً من الشعب العراقي المشارك في الانتخابات. هذا التفويض يمنحها قوة في مواجهة الأزمات وشرعية تحميها من محاولات التشكيك. ومن هنا، فإن أي احتجاج لاحق من المقاطعين سيكون بلا سند شعبي أو قانوني.
العراق مقبل على مرحلة حساسة، والانتخابات القادمة ستحدد مساره. لذلك على كل مواطن أن يدرك من يقاطع اليوم، لا يملك غداً أن ينكر شرعية الحكومة المنتخبة. فالانتخابات عقد اجتماعي يفرض الالتزام بنتائجها على الجميع، سواء شاركوا أو قاطعوا.


