النقاش الأميركي حول قصف إيران يُعيد إلى الأذهان معاناة حرب العراق

يتصاعد النقاش داخل الولايات المتحدة وخارجها بشأن احتمالية مشاركة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في توجيه ضربات مع إسرائيل ضد إيران.

وقالت صحيفة «فاينانشال تايمز» إن”هذا النقاش يُعيد إلى الأذهان معاناة حرب العراق، في حين يخيم شبح كارثة استخباراتية قبل عقدين على عقل ترامب وهو يُفكّر في الانضمام إلى إسرائيل”.

ولفتت إلى، أنه”في عام 2016، وصف دونالد ترامب غزو العراق بأنه «خطأ فادح»، نتيجة خداع مُتعمّد من قِبَل الاستخبارات الأميركية”.

وقال خلال مناظرة انتخابية للحزب الجمهوري: “لقد كذبوا قالوا إن هناك أسلحة دمار شامل. لم تكن موجودة. وكانوا يعلمون أنها كذلك”.

والآن، ترامب في البيت الأبيض، يُفكّر في التدخل العسكري في حربٍ تُشابه بشكل مُريب عملية “غزو العراق” وهي حملةٌ وصفها بأنها إهدارٌ لتريليوني دولار.

كما هو الحال الآن، فإنّ مبرر الحرب هو منع دولةٍ من امتلاك أسلحة نووية، وبالتالي إزالة تهديدٍ وجوديٍّ لأحد أقرب حلفاء أميركا ألا وهي إسرائيل.

كما هو الحال الآن، يُشكّك البعض في حقيقة تهديد أسلحة الدمار الشامل.

وقالت روزماري كيلانيك، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز أبحاث «أولويات الدفاع»: «تشير المعلومات الاستخباراتية إلى أنه على الرغم من امتلاك إيران برنامجاً نووياً، فإنها لم تسعَ إلى التسلح النووي».

وذهب البعض إلى أبعد من ذلك، حيث ذكر تاكر كارلسون، الإعلامي اليميني الذي يعارض بشدة أي تدخل أميركي في حرب أخرى بالشرق الأوسط، أن التلميح إلى اقتراب إيران من بناء قنبلة نووية هو «كذبة» يروّج لها دعاة تغيير النظام في طهران منذ فترة طويلة.

وكتب على منصة «إكس»: «في الواقع، لا توجد أي معلومات استخباراتية موثوقة تُشير إلى أن إيران على وشك بناء قنبلة نووية، أو لديها خطط لذلك. لا شيء على الإطلاق ولو علمت الحكومة الأميركية أن إيران على بُعد أسابيع من امتلاك سلاح نووي، لكنا في حالة حرب بالفعل».

ويستشهد منتقدو التسرع في الحرب بأحدث تقييم سنوي للتهديدات الاستخباراتية الأميركية، الذي قدّمته إلى الكونغرس في مارس (آذار) مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، وهي ديمقراطية سابقة ومشككة في التدخلات العسكرية في الخارج.

ومع إقرارها بأن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بلغ أعلى مستوياته، أصرت على أن طهران لا تصنع قنبلة ذرية.

لكن ترامب رفض هذا التقييم وقال الثلاثاء عندما سُئل عن رأي غابارد: «لا يهمني ما قالته» وبالنسبة له، فإن إيران «قريبة جداً» من امتلاك سلاح نووي.

وترامب ليس المشكك الوحيد في التقييم، فقد قال إليوت أبرامز، وهو من صقور السياسة الخارجية وشغل منصب الممثل الخاص للولايات المتحدة لشؤون إيران وفنزويلا خلال ولاية ترامب الأولى: «إنه أمرٌ أحمق للغاية. لم يسبق لأي دولة أن خصبت اليورانيوم إلى درجة نقاء 60 في المائة كما فعلت إيران دون أن تواصل صنع أسلحة نووية».

كما أشار إلى المخاوف التي أعربت عنها مؤخراً الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن فشل إيران في التعاون بشكل كافٍ مع مفتشيها.

وأعلنت الوكالة مؤخراً أن طهران تنتهك التزاماتها المتعلقة بمنع الانتشار النووي، وذلك لأول مرة منذ ما يقرب من 20 عاماً.

وقال ديفيد بترايوس، الجنرال المتقاعد والمدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، والذي حارب في العراق وقاد القيادة المركزية الأميركية سابقاً، إنه من الواضح أن طهران «قريبة بشكل مثير للقلق» من القدرة على صنع قنبلة نووية وأضاف: «أقرب من أي وقت مضى»، حتى لو لم تكن قيادة البلاد قد قررت صنعها.

وتابع: «لطالما قلنا إننا لن نسمح لهم بامتلاك سلاح نووي، ونعتقد أننا سنعرف ما إذا كانوا يقومون بالتخصيب إلى درجة الأسلحة، لكن هذا ليس أمراً يُفترض أن نعتمد عليه في أفضل الأحوال. بل يجب أن نعتمد عليه في أسوأ الأحوال».

ولدى آخرين رأي مماثل، حيث قالت سوزان مالوني، المستشارة السابقة لوزارة الخارجية الأميركية لشؤون إيران: «منذ بداية هذه الأزمة، التي تعود إلى عام 2002، فإن ما قامت به إيران من تخصيب يحمل جميع السمات المميزة لبرنامج مُصمم لأغراض عسكرية، وليس للبنية التحتية المدنية وإنتاج الطاقة».

ولكن على الرغم من ذلك، فإن إصرار ترامب على أن طهران على بُعد «أسابيع قليلة» من امتلاك سلاح نووي فاجأ الخبراء في شؤون المنطقة.

وتابعت مالوني: «ما يقلقني هو أن الرئيس قد تجاوز ما نعرفه كحقيقة ببضع خطوات، وتوصل إلى استنتاج معقول، ولكنه أيضاً غير مدعوم بالمعلومات الاستخباراتية».

وقد تفاقم هذا الانطباع بسبب الطريقة غير الرسمية التي تُصنع بها السياسة في البيت الأبيض بقيادة ترامب.

وأضافت: «يبدو أن الرئيس يتخذ قراراته بناءً على حدسه بدلاً من أفضل نصائح المستشارين المطلعين».

ويخشى بعض المحللين أن يكون ترامب شديد التأثر بنفوذ بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي أصر على أن إيران لديها خطة سرية لتحويل اليورانيوم أسلحةً.

ويتساءل المشككون أيضاً عما إذا كان ترامب قد قيّم بدقة مزاج الناخبين الأميركيين، الذين أيَّد الكثير منهم وعده بإنهاء «حروب أميركا الأبدية».

وقال بترايوس: «إن حربي العراق وأفغانستان هما بلا شك تحملان تحذيرات».

وجاء الجدل حول برنامج أسلحة الدمار الشامل المزعوم في العراق بعد عامين فقط من هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، عندما كان الأميركيون أكثر اتحاداً بشأن ضرورة الرد على أعداء البلاد، أما الآن، فقد أصبح الرأي حول حكمة التدخلات العسكرية الخارجية أكثر انقساماً.

وقال كيلانيك من منظمة «أولويات الدفاع» إن الرئيس آنذاك جورج دبليو بوش «خاطب الشعب الأميركي على مدى 18 شهراً لإثبات جدوى الحرب، كما توجه إلى الكونغرس للحصول على تفويض. الفرق الكبير الآن هو السرعة التي تتكشف بها كل هذه الأحداث».

كما كشف هذا التسرع الواضح في العمل العسكري عن توترات مستمرة بين ترامب وأتباعه الأكثر انعزالية، وعلى رأسهم كارلسون، حيث اتهم بعض مؤيدي ترامب بخيانة مبادئه «أميركا أولاً» بالانحراف بشكل خطير عن السياسة الخارجية «المحافظين الجدد» القديمة، القائمة على الدعم غير المشروط لإسرائيل، والسعي لتغيير الأنظمة في الدول المعادية، والتصرف بشكل أحادي في العالم للدفاع عن المصالح الاستراتيجية الأميركية.

واشتعل التوتر في مقابلة كارلسون مع تيد كروز، السيناتور الجمهوري ومؤيد ترامب، الذي قال إن الولايات المتحدة يجب أن تدعم إسرائيل في حربها مع إيران.

وقال كروز لكارلسون: «أريد أن أمنع مجنوناً يريد قتلنا من الحصول على أسلحة نووية قد تقتل ملايين الأميركيين. أنت تقول إنني لا أرى كيف يفيد ذلك أميركا على أي حال. هذا غريب… انعزالية».

وردّ كارلسون ساخراً من مؤهلات كروز في السياسة الخارجية، قائلاً إنه «لا يعرف شيئاً عن الدولة التي تريد إسقاط حكومتها».

وفي حين أن بعض أعضاء التحالف المؤيد لترامب يحذرون من تحول في موقفه تجاه إيران، رأى آخرون أنه من الخطأ التلميح إلى أنه أصبح فجأةً محافظاً جديداً.

زر الذهاب إلى الأعلى