أخبارتحقيقات

تقرير | دعوى قضائية تشعل جدلاً في البصرة: الشيخ الأنصاري بين حرية المنبر وحدود السلطة

موجة تضامن شعبي وديني واسع مع الشيخ مصطفى الأنصاري

فنار نيوز – البصرة

أثار قرار محافظ البصرة أسعد العيداني برفع دعوى قضائية ضد الخطيب الحسيني الشيخ مصطفى الأنصاري، ردود فعل واسعة في الأوساط الدينية والشعبية، حيث عبّر العديد من رجال الدين والمثقفين والمواطنين عن استنكارهم لما اعتبروه محاولة لتكميم الأفواه واستهدافاً لصوت المنبر.

وتعود خلفية الدعوى إلى محاضرات دينية ألقاها الشيخ الأنصاري، تناول فيها قضايا فكرية واجتماعية وانتقد خلالها بعض الممارسات الرسمية، وهو ما اعتبره المحافظ “إثارة للنعرات الطائفية”. في المقابل، يؤكد مقربون من الشيخ أن خطابه يندرج في إطار حرية الرأي والتعبير، مشيرين إلى أنه لم يعرف عنه يوماً التحريض الطائفي أو الدعوة إلى التفرقة.

الشيخ الأنصاري، المعروف بخطابه الهادئ وأسلوبه النقدي المهذب، كان قد تناول في محاضراته ملف الاستثمارات في البصرة، منتقداً إحالة أراضٍ ومقاطعات كبيرة إلى مستثمرين بأسعار بخسة ليُعاد بيعها لاحقاً بمبالغ طائلة تتجاوز (350 مليون دينار). كما سبق أن انتقد ظهور زوجة المحافظ في برتل من السيارات الفارهة وموكب حمايات من الشرطة والمرور وهي تتجول داخل المدينة.

هذه الانتقادات لامست هموم الشارع وأثارت تفاعلاً واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث رأى مؤيدوه أنها تعكس نبض الناس وتعبر عن مظالمهم، فيما اعتبرها المحافظ تجاوزاً على السلم الأهلي.

في سياق ردود الفعل، وصف الشيخ الدكتور عبد الرضا البهادلي الدعوى بأنها “سابقة خطيرة تستهدف إسكات العلماء والخطباء”، مؤكداً أن “واجب الشيخ هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان الأجدر بالمحافظ أن يشكره لا أن يشتكي عليه”.

الدكتور محسن حنون العكيلي تساءل عن “المفارقة بين التساهل مع أصوات فارغة تهاجم الدولة دون رادع، مقابل سرعة ملاحقة شخصية دينية مشهود لها بالمواقف الوطنية”، فيما أشار الشيخ أبو علي القطراني إلى أن الأنصاري “رجل وعي وكلمة موزونة يضع النقاط على الحروف دون تحريض أو إثارة”.

المواطن عباس العبادي أكد أن “أهالي البصرة الأصلاء يقفون إلى جانب الشيخ، وأن الاعتداء على العمامة والمنبر هو اعتداء على قيم المجتمع وأعرافه”، بينما رأى الناشط سعد البصري أن القضية “ليست شخصية بل هي مواجهة بين منطق السلطة ومنطق الحوزة، بين من يريد تكميم الأفواه ومن يرى أن الدين يفرض قول الحق”.

ويرى الدكتور محمد كاظم أن “القضية باتت حديث الشارع البصري”، مؤكداً أن “الاحتكام إلى القضاء يجب أن يكون ضامناً لحق الشيخ في التعبير، خاصة وأن خطابه لم يتضمن دعوات للعنف أو تهديداً للسلم الأهلي”

ومع ترقّب جلسات التحقيق، ينتظر الرأي العام أن يكون القضاء الفيصل العادل، وأن يحفظ للشيخ مصطفى الأنصاري مكانته كخطيب ديني ومجتمعي، في وقت يظل فيه الجدل قائماً حول العلاقة بين النقد الديني والسلطة المحلية، وحدود حرية التعبير في البصرة.

ويبقى الجدل في البصرة مفتوحاً بين من يرى في النقد الديني صوتاً للحق وامراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، ومن يعتبره تجاوزاً على السلطة، غير أن الثابت هو أن المنبر الحسيني كان ولا يزال مرآة لوجدان الناس وملاذهم للتعبير عن همومهم، فيما تختبر هذه القضية مرة أخرى قدرة الدولة على التوفيق بين احترام الرموز الدينية وصون حرية الرأي وبين وبين نفوذ سياسييها وقوة حكامها وسطوتهم.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى