
تواجه شريحة واسعة من المحامين في العراق تحدّيات متراكمة باتت تُثقل عملهم اليومي وتؤثر في قدرتهم على ممارسة مهنتهم بكفاءة واستقلالية. فرغم الدور المفترض لنقابة المحامين العراقية باعتبارها مظلة مهنية تحمي الحقوق وتوفّر البيئة الملائمة للعمل القانوني، إلا أن عدداً من الإجراءات والتعليمات المعمول بها اليوم يثير تساؤلات جدّية حول مدى انسجامها مع متطلبات الواقع المهني المتغيّر.
ومن أبرز هذه الإشكاليات القيود المفروضة على الدعاية والترويج المهني، حيث تُعامل محاولات المحامي للتعريف بخدماته أو تخصصه القانوني بوصفها مخالفة مسلكية، في وقت أصبحت فيه وسائل التواصل والتعريف المهني جزءاً أساسياً من بيئة العمل الحديثة. والمفارقة هنا أن الكثير من النقابات المهنية الأخرى، كنقابة الأطباء ونقابة المهندسين، وعلى ما نراه واقعاً ملموساً، تسمح لأعضائها بالترويج والإعلان عن خدماتهم ضمن ضوابط مهنية واضحة، دون أن يُنظر إلى ذلك بوصفه انتقاصاً من هيبة المهنة أو مخالفة لأعرافها.
هذا التباين يضع المحامي في موقع غير متكافئ مقارنة ببقية المهن، ويحرمه من أدوات مشروعة باتت ضرورية لبناء الثقة مع الجمهور والوصول إلى الفئات التي تحتاج إلى الخدمة القانونية. كما أن الاستمرار في التضييق على هذا الجانب يفتح الباب أمام ممارسات غير منظمة، بدلاً من تقنينها وتنظيمها بما يحفظ كرامة المهنة ويواكب تطورات العصر.
ولا يقلّ عن ذلك أهمية ما يتعلق بإجراءات العضوية وتجديد الهوية، إذ إن شطب المحامي من سجل النقابة في حال عدم تجديد هويته لمدة سنتين يُعد إجراءً صارماً يحتاج إلى مراجعة جادّة. فلا يُعقل أن يُشطب اسم محامٍ مضى على عضويته في النقابة عشر سنوات أو أكثر لمجرد عدم تجديد الهوية خلال مدة محددة، لظروف قد تكون قاهرة أو خارجة عن إرادته، كالأوضاع الصحية أو المعيشية أو الأمنية. وكان الأجدر اعتماد آليات مرنة تُراعي هذه الظروف، كفرض غرامات تدريجية أو تعليق مؤقت للامتيازات، بدلاً من اللجوء إلى أقصى العقوبات الإدارية.
إلى جانب ذلك، يشكو محامون كُثر من التعقيد الإداري وكثرة الإجراءات التي تفرضها النقابة، سواء في ما يتعلق بتجديد الهويات أو تنظيم العمل داخل المحاكم، الأمر الذي يحوّل النقابة في نظر البعض من جهة داعمة إلى عبء إضافي يستهلك الوقت والجهد، دون مردود ملموس على تحسين ظروف العمل أو حماية المحامي في الميدان.
وفي هذا السياق، تبرز حاجة ملحّة إلى إصلاح قانون المحاماة ذاته، بما ينسجم مع المتغيرات القانونية والمهنية، ويعيد التوازن بين سلطة النقابة وحقوق المحامي، ويكفل استقلال المهنة وحمايتها من التعسّف الإداري، مع تحديث النصوص التي لم تعد قادرة على مواكبة واقع الممارسة القانونية الحديثة.
إن الحاجة اليوم باتت ماسّة إلى مراجعة جادّة وشاملة لهذه التعليمات والتشريعات، والانفتاح على تجارب النقابات المهنية الأخرى، بما يحقق التوازن بين الحفاظ على أخلاقيات المهنة وضمان حق المحامي في التطور المهني والعيش الكريم. فالنقابة القوية ليست تلك التي تكثر من القيود، بل التي تُحسن تنظيم المهنة والدفاع عن أبنائها، وتكون شريكاً حقيقياً في تطوير العدالة وسيادة القانون في العراق.



