
المطلب الأساس الذي ظلت تصر عليه الحملة السياسية والمخابراتية والدعائية الجديدة، التي تقودها الحكومات الأمريكية والإسرائيلية والسعودية، ويعلن عنها صراحة مبعوثو الولايات المتحدة الأمريكية إلى الشرق الأوسط منذ أوائل عام 2025، يتلخص في نزع سلاح الشيعة في لبنان والعراق واليمن وحلفائهم في فلسطين، تحت غطاء شعار «حصر السلاح بيد الدولة»، فضلاً عن تدمير القوة العسكرية لإيران، وهم يهدفون بذلك إلى إجبار المقاومة الشيعية على الاستسلام، وما يتبعه من إجراءات، ربما تصل إلى المحاكمات والعقوبات.
وبالتالي، فإن هدف حصر السلاح بيد الدولة، المراد منه السلاح الشيعي تحديداً. أما الفصائل المسلحة المسيحية والسنية في لبنان، والفصائل الكردية العراقية والإيرانية، والجماعات السنية اليمنية المرتبطة بالسعودية والإمارات، وأي جماعات مسلحة أخرى غير شيعية، فإنها غير معنية بتسليم السلاح إلى الدولة. أي إن الهدف الاستراتيجي يتلخص في تجريد الشيعة من قوتهم الميدانية، وسلب قدرتهم على التصدي لأي عدوان، خارجي أو داخلي.
فما مآلات نزع قوة الشيعة الميدانية فيما لو حصل بالفعل؟
ستكون مآلات نزع قوة الشيعة الميدانية، كما تخطط له أمريكا وإسرائيل والسعودية وتركيا، على النحو التالي:
1- على مستوى العراق:
سيكون شيعة العراق، بعد حل الحشد وفصائل المقاومة، بين مطرقتين وسندانين:
أ- مطرقة الفصائل المسلحة السنية العراقية الموحدة، المتشكلة حالياً في سوريا، وهي خليط من طيف طائفي وتكفيري وبعثي، تضم عرباً وأجانب وبعض عرب الأهواز، وستلتحق بحواضنها في المحافظات الغربية، مدعومة تسليحياً واستخباراتياً وسياسياً ومالياً من تركيا وقطر والإمارات والسعودية.
ب- مطرقة عملاء البعث والسعودية وأمريكا وإسرائيل في محافظات الوسط والجنوب، من المحسوبين على الشيعة، ومعهم حشود من المستغفَلين والمنسلخين عن جلدهم.
ت- سندان قوات البيشمركة الكردية التي ستستغل الفوضى وحياد الجيش وحل الحشد، وستقوم باحتلال محافظة كركوك بالكامل، وآبار نفطها، وأجزاء من محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين، أو ما يعرف بالمناطق المتنازع عليها.
ث- سندان أمريكا التي تتحرك سياسياً واستخباراتياً واقتصادياً لخنق شيعة العراق.
وسينتهي الحال بسحل رموز الشيعة ونشطائهم في الشوارع، دون اسثناء، كما يهدد بعض العملاء علناً. ولن يبقى حينها أثر لسلطة، ولا حشد، ولا عتبات، ولا مرجعية نافذة، بل سيعود الوضع إلى ما كان عليه في عهد البعث، بل أسوأ. كما سيتم تقسيم العراق إلى خمسة أقاليم: إقليم كردي، وإقليم سني، وثلاثة أقاليم شيعية متناحرة.
2-على مستوى لبنان:
أ- قيام تحالف سني- مسيحي مسلح، يتألف من قوات جعجع وحزب الكتائب، وفصائل سنية علمانية ودينية، لضرب شيعة لبنان وفرض أمر واقع جديد، يتمثل في عزل حزب الله وحركة أمل عن الحياة السياسية، والمجيئ بوزراء ونواب شيعة ورئيس مجلس نواب شيعي خاضعين للتحالف السني ــ المسيحي. وسيكون هذا التحالف مدعوم سياسياً واستخباراتياً ومالياً وتسليحياً من السعودية وتركيا وأمريكا وإسرائيل.
ب- ستتقدم فصائل مسلحة من سوريا باتجاه البقاع وبيروت والطريق الرابط بين الجنوب وبيروت.
ت- قيام إسرائيل باجتياح الجنوب، وفرض قوات عميلة لها شبيهة بقوات لحد. كما سيقوم الطيران الإسرائيلي بدعم تحرك التحالف المسيحي ــ السني والفصائل الإرهابية السورية لضرب شيعة لبنان.
ث- ستقوم السعودية بالتخلي عن أي نفوذ لها في سوريا لصالح تركيا و(إسرائيل)، مقابل منح لبنان للسعودية بالشراكة مع (إسرائيل).
3-في اليمن:
ستكون المعركة العسكرية المفصلية، بعد نشوء تحالف جديد: أمريكي – إسرائيلي – سعودي، يعمل على إنهاء الوجود العسكري لشيعة اليمن وقياداتهم الأساسية، وصولاً إلى إسقاط حكومة صنعاء.
4- في مواجهة إيران:
الحروب الثلاثة المذكورة في لبنان والعراق واليمن ستكون مدخلاً أساسياً للحرب النهائية ضد القوة الشيعية الرئيسية الإيرانية، بهدف إسقاط الجمهورية الإسلامية، وذلك على أربع مراحل:
أ- تفعيل آلية الزناد في مجلس الأمن الدولي، تمهيداً لوضع إيران تحت البند السابع، ومن ثم إسقاطها اقتصادياً ثم أمنياً.
ب- تفكيك البرنامج النووي والصاروخي بالكامل مقابل رفع جزء من العقوبات.
ت- حل قوات حرس الثورة الإسلامية، وعزل قادتها ومسؤوليها، ودمج ما تبقى منها في الجيش، مقابل رفع باقي العقوبات، ومنح ضمانات بعدم التعرض للنظام وقيادته.
ث- قصف جوي إسرائيلي – أمريكي يستهدف مفاصل الدولة الإيرانية وقياداتها، لإحداث فوضى شاملة تؤدي إلى سقوط الدولة فعلياً، خلافاً للضمانات الممنوحة.
ج- احتلال طهران من قبل قوات كوماندوز أمريكية وإسرائيلية محمولة جواً، بمساندة جماعات المعارضة الإيرانية المسلحة المرتبطة بأمريكا وإسرائيل، ولا سيما جماعة خلق والجماعات الكردية والجماعات البلوشية.
وقد يعتقد البعض أن المخطط سيتوقف عند إسقاط الجمهورية الإسلامية وتفكيكها إلى أقاليم، لكن الحقيقة أن المخطط سيتوسع باتجاه باكستان، حيث سيتم العمل على تفكيكها إلى ثلاث دول، وتدمير سلاحها النووي، وتحويلها إلى منطقة خاضعة للهيمنة الهندية. حينها، ستتصل جغرافيا نفوذ الحليفين الهندوسي والصهيوني اتصالاً مباشراً، لأن مشكلة الهند و(إسرائيل) المشتركة مع باكستان تتلخص في سلاحها النووي وقدراتها العسكرية، وتعتبرانها تهديداً كامناً عليهما، حتى إن لم تكن خطراً فعلياً.
وسيمتد المخطط كذلك إلى مصر، بهدف إخضاع نظامها بالكامل، وتجريدها من أسلحتها (غير الضرورية) حسب الاصطلاح الإسرائيلي، وصولاً إلى إضعافها وتقسيمها. فـ(إسرائيل) ليست لديها مشكلة مع أنظمة الحكم في باكستان ومصر، بل مشكلتها مع باكستان النووية ومصر القوية.
هذا هو المخطط المرسوم بدقة منذ مطلع العام 2025، ويتم تحديثه بانتظام. أما ساعة الصفر لتنفيذه، فستبدأ بعد تجريد الحشد الشعبي والفصائل الشيعية في العراق من السلاح، ونزع سلاح حزب الله وحركة أمل في لبنان، ودمج سلاح شيعة اليمن في جيش الدولة اليمنية الجديدة، وتفكيك البرنامج النووي والصاروخي الإيراني، وحل حرس الثورة الإسلامية.
فهل ستتحقق هذه الأهداف؟
من منظور استراتيجي استشرافي؛ فإن ما يقرب من 20 بالمئة من هذه الأهداف قابل للتحقق، أما الباقي فسيظل أحلاماً في مخيلة الاستراتيجيين الأمريكيين والإسرائيليين والأتراك، ومعهم السعوديون والجماعات التكفيرية والطائفية والبعثية والجولانية والبهلوية. فمثل هذه الأهداف لن تتحقق حتى لو استمر الصراع ألف عام؛ لأن الشيعة لا يقفون مكتوفي الأيدي أمام هذه المخططات، فهم يملكون قدرات تخطيطية وتنفيذية كبيرة، وفي مقدمتها الردع المسلح التقليدي وغير التقليدي.
فماذا سيكون رد المحور الشيعي على المخططات المذكورة؟
تمتلك قوى المحور مجموعات متكاملة من الخيارات الاستراتيجية والتكتيكية الممكنة، ستلجأ إليها وفق الظروف والتطورات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية:
1- قيام مراجع الشيعة بإصدار فتاوى الدفاع الكفائي عن مقدرات الشيعة ورموزهم وأراضيهم وأعراضهم في لبنان والعراق واليمن وسوريا وإيران.
2- إغلاق مضيقي هرمز وباب المندب عبر تلغيم المياه أو إغراق سفن قديمة، فضلاً عن منع أي قطعة بحرية من المرور، وهو ما يعني شل حركة 60% من الاقتصاد العالمي.
3- قصف الكيان الصهيوني، وخاصة تل أبيب، لمدة شهرين، وهو وقت كافٍ لتدمير نصف العاصمة وأغلب مدنها تدميراً كاملاً.
4- استهداف القواعد الأمريكية في المنطقة.
5- تحريك وحدات استشهادية بحرية وبرية، فردية وجماعية، في بحر العرب والمياه الخليجية والبحر الأحمر.
6- تغيير العقيدة النووية الإيرانية، وصولاً إلى إنتاج السلاح النووي، وهو يحتاج إلى أسبوعين تقريباً.
7- تأسيس قوات تعبئة مليونية تطوعية تابعة للحشد الشعبي في العراق.
8- إعلان المقاومة في لبنان النفير العام للرد على مصادر الخطر داخل لبنان، وصولاً إلى فرض أمر واقع جديد.
9- قيام قوات الحشد وفصائل المقاومة في العراق بالتصدي لمصادر التهديد داخل العراق، وفرض أمر واقع جديد.
10- قيام قوات الحشد وفصائل المقاومة في لبنان والعراق بالتقدم نحو سوريا، لصد عدوان الفصائل الإرهابية المتحركة من الأراضي السورية باتجاه لبنان والعراق. ولعل قوات المقاومة في البلدين بحاجة إلى شهر واحد تقريباً للسيطرة على دمشق.
ما سبق سيحوِّل المجتمعات الشيعية إلى معسكرات تضم عشرات ملايين المقاتلين المستعدين لمواجهة المحور الأمريكي – الإسرائيلي من جهة، وعملاء المحورين المكملين: التركي والسعودي من جهة أخرى، ليس في بلدان المقاومة الشيعية وحسب، وإنما في بلدان أخرى، وخاصة الخليجية. حينها يكون الردع متكافئاً، والخسائر متناظرة، ولن تبقى الحرائق محلية، بل ستمتد إلى دول الخليج، وتحيل مناطقها الأساسية إلى حرائق وأكوام من الحديد والركام، ونفط غير قابل للاستخراج والتصدير.
وسيدفع كل ذلك روسيا والصين وباكستان، إلى التدخل، في إطار إجراءات ردع استباقية، لحماية مصالحها وأمنها من التهديدات.
صحيح أن المحور الشيعي سيتكبد خسائر كبيرة في هذه المواجهة الكبرى، إلا أن موازين القوى تؤكد أن الخاسر الأكبر سيكون إسرائيل أولاً، ثم بلدان الخليج ثانياً، ثم سنة العراق ولبنان وسوريا ثالثاً.