مقالات

اللافتات الانتخابية والبذخ

الشيخ مجيد العقابي

مع اقتراب الانتخابات تمتلئ شوارع العراق بلافتات ضخمة وملونة، صور مكبرة وابتسامات مصطنعة ووعود فضفاضة. هذا المشهد الذي يكرر نفسه كل دورة انتخابية صار يثير السخرية أكثر مما يثير الأمل، لأنه يكشف خللاً عميقًا في طريقة تفكير المرشحين الذين يظنون أن الناخب يقرر مستقبله بناءً على صورة مطبوعة على قماش أو ورق، لا على برنامج حقيقي أو إنجاز ملموس.

إن هذه الملايين التي تُصرف على الطباعة والإعلانات والإضاءة يمكن أن تُبني بها مدارس أو تُجهّز بها مستشفيات أو تُصلح بها شوارع متعبة. لكنها تُهدر في موسم قصير، لتتحول اللافتة بعد أيام إلى ورق ممزق أو قماش بالٍ يلطخ وجه المدينة. ليس هذا فقط، بل إن كثافة الصور واللافتات تشوه جمالية المدن وتزيد من شعور المواطن بالفوضى والعشوائية، وكأن العراق ساحة تنافس على الوجوه لا على الحلول.

المشكلة ليست فقط في المظهر، بل في الرسالة. اللافتة تقول للناس: “أعطوني أصواتكم لأنكم اعتدتم على وجهي”، وكأن الناخب بلا عقل ولا وعي. إنها إهانة للوعي الجمعي أكثر مما هي أداة دعاية. المواطن اليوم لا يبحث عن صورة بل عن كهرباء مستقرة، عن فرصة عمل، عن عدالة، عن وطن آمن. والمرشح الذي يظن أن صورته تكفي ليُنتخب، إنما يكشف أنه لا يملك ما يقدمه سوى الاستعراض.

هذه الظاهرة أيضًا تعمّق الفجوة بين المجتمع والسياسيين. الفقير الذي يمر بجانب لافتة كلّفت آلاف الدولارات، بينما لا يملك قوت يومه، يشعر بالخذلان. الشاب العاطل عن العمل ينظر إلى صور مترفة تذكره بمكانته الهامشية في حسابات السياسيين. الفساد حين يتجلى في البذخ الدعائي يتحول إلى أمر طبيعي أمام العيون، فيتطبع الناس على قبوله.

إن إصلاح هذه الفوضى ممكن إذا انتقلت الانتخابات من سوق الصور إلى سوق الأفكار. المطلوب من المرشحين أن يواجهوا الناس ببرامج واضحة، أن يشرحوا كيف سيكافحون البطالة أو ينهضون بالتعليم، أن يفتحوا مناظرات علنية بدل أن يملأوا الجدران بصور صامتة. المطلوب من الناخبين أيضًا أن يدركوا أن الصوت لا يُعطى لابتسامة، بل لخطة، ولا لوجوه متكررة، بل لعقول جديدة صادقة.

البذخ الانتخابي ليس دليل قوة، بل دليل عجز. العراق لا يحتاج إلى المزيد من اللافتات، بل إلى رجال ونساء يحملون رؤية ويعملون بها. من أجل العراق علينا أن نقول: كفى صورًا تُمزّقها الرياح، نريد أعمالًا تبقى في الأرض.

الشيخ مجيد العقابي

رئيس مركز الفكر للحوار والإصلاح

30 أيلول 2025

زر الذهاب إلى الأعلى