
يقف العراق أمام معضلة استراتيجية معقّدة تتمثل في كيفية اختيار الحليف في بيئة إقليمية ودولية شديدة الاضطراب، حيث تتقاطع المصالح الأميركية والإيرانية والتركية والخليجية، إلى جانب حضور صيني وروسي متنامٍ. هذا الواقع يجعل أي انحياز أحادي محفوفاً بمخاطر سياسية وأمنية واقتصادية، ويحدّ من قدرة الدولة على الحفاظ على سيادتها واستقرارها الداخلي.
الولايات المتحدة تمثل بوابة العراق إلى النظام المالي العالمي والدعم التقني والأمني، لكنها تربط تعاونها بشروط سياسية وأمنية قد تصطدم بواقع التوازنات الداخلية. في المقابل، تمتلك إيران نفوذاً واسعاً داخل العراق عبر أدوات سياسية واقتصادية وأمنية، ما يوفر لها قدرة تأثير مباشرة،
لكنه يضع العراق في دائرة صراع إقليمي مفتوح ويعرّضه لضغوط وعقوبات محتملة. أما تركيا ودول الخليج، فتطرح فرصاً اقتصادية واستثمارية مهمة دون سعي واضح للهيمنة السياسية المباشرة، فيما تركز الصين وروسيا على المصالح الاقتصادية والطاقة، مع محدودية أدوارهما الأمنية.
في ضوء هذه المعطيات، يبدو خيار الموازنة الاستراتيجية هو الأكثر واقعية للعراق في المرحلة الحالية. هذه المقاربة لا تعني الحياد السلبي، بل تقوم على تنويع الشركاء، وتقليل الاعتماد على طرف واحد، ومنع تحويل العراق إلى ساحة صراع بالوكالة.
نجاح هذا الخيار مرتبط مباشرة بتعزيز عناصر القوة الداخلية، وفي مقدمتها احتكار الدولة للسلاح، وإصلاح المؤسسات، وتنويع مصادر الطاقة، وتحرير القرار الاقتصادي من الابتزاز الخارجي.
إن بناء سياسة خارجية متوازنة يتطلب من صانع القرار العراقي الانتقال من منطق ردّ الفعل إلى منطق المبادرة، واستثمار الموقع الجغرافي للعراق كجسر للتعاون لا كخط تماس.
فالحليف الحقيقي للعراق ليس دولة بعينها، بل قدرة الدولة على إدارة علاقاتها وفق مصلحتها الوطنية، وحماية سيادتها، وتحقيق الاستقرار والتنمية بعيداً عن الاستقطاب الحاد والمحاور المغلقة.



