
لا تبدأ الجريمة دائمًا بطعنة سكين أو إطلاقة نار، بل كثيرًا ما تولد من سلوكٍ خاطئ يُستهان به، ومن تجاوزٍ بسيط لم يُحاسَب عليه في وقته، ومن صمت مجتمعي اعتاد الخطأ حتى صار جزءًا من المشهد اليومي.
حين يتجاوز شاب إشارة المرور، أو يقود دراجته النارية بتهور في شارع مزدحم، أو يعبث بممتلكات عامة ظنًا أنها ( لا تعود لأحد ) فإنه يرسّخ سلوكًا عدوانيًا تجاه النظام العام. وما يبدأ كمخالفة بسيطة، قد ينتهي بحوادث قاتلة أو اعتداءات جسيمة.
وحين تتحول المشاجرات اللفظية في الأسواق والملاعب ووسائل النقل إلى أمرٍ مألوف، ويُنظر إلى التهديد والإساءة على أنها “شجاعة” فإن المجتمع يكون قد خطا خطوة خطيرة نحو العنف المنظم والجريمة.
ومن أخطر الممارسات الصامتة، التهاون في حماية المال العام، والتجاوز على الممتلكات الحكومية، أو تعطيل الدوائر، أو الاعتداء على الموظف أثناء تأدية واجبه. فهذه السلوكيات لا تهدد النظام فحسب، بل قد تساء قراءتها بما يمس صورة الدولة .
أما حمل السلاح خارج إطار القانون، وإطلاق العيارات النارية في المناسبات، فهما من أكثر السلوكيات التي يدفع المجتمع ثمنها دمًا وخوفًا. هي أفعال يُنظر إليها خطأً كفرح أو قوة، لكنها في حقيقتها بوابة مفتوحة لجريمة غير مقصودة أو ثأرٍ طويل.
وفي الفضاء الرقمي، لم تعد الجريمة حكرًا على الشارع. فالتشهير، والابتزاز الإلكتروني، ونشر الشائعات، وتداول المقاطع المسيئة، كلها ممارسات قد تبدأ بنقرة هاتف، لكنها تنتهي بتهديد، أو تدمير سمعة، أو زعزعة أمن مجتمعي.
وقائمة السلوكيات الخاطئة تطول وتتفرع بتفرع مشاكل المجتمع ، وهذه ادلة واقعية تأتي على سبيل المثال لا الحصر.
ولا يمكن إغفال دور الأسرة والتربية. فالتساهل مع السلوك العدواني للأطفال، وغياب المتابعة، وترك الأبناء فريسة للفراغ والمحتوى المنحرف، يصنع بيئة جاهزة لانحراف الغد.
إن الوقاية من الجريمة تبدأ بالوعي، وتترسخ بالتربية، وتُحمى بالقانون العادل. فالأمن ليس إجراءً بعد وقوع الخطر، بل ثقافة تُبنى كل يوم، وسلوكًا يُقوَّم قبل أن ينحرف.
والأولى ان لا ننتظر الجريمة لتواجهها،
بل نعالج السلوك الخاطئ وهو في بدايته
قبل أن يتحول إلى جريمة كبيرة يدفع الجميع ثمنها.



