تحقيقات

من الإشادة بالسوداني إلى الفضيحة: جدل واسع بعد تصريحات بهاء الأعرجي عن “فيديو غير أخلاقي”

فنار نيوز - تحقيقات

لم يمرّ تصريح السياسي العراقي بهاء الأعرجي –عضو تحالف الإعمار والتنمية والمقرّب من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني– مرور الكرام، حين كشف في لقاء تلفزيوني أن “أحد الأطراف سلّم رئيس الوزراء فيديو غير أخلاقي لسيدة من محارم مزوّري التسريبات الصوتية، لكن الأخير رفض نشره.

هذا التصريح، الذي كان يُفترض أن يُظهر أخلاق رئيس الوزراء، تحوّل سريعاً إلى قنبلة سياسية وإعلامية أشعلت النقاش في الشارع العراقي، وأثارت موجة من الغضب والاستنكار، وصلت إلى حد المطالبة بتحقيق قضائي عاجل مع الأعرجي، ومساءلة الحكومة عن خلفيات ما ورد في حديثه.

بهاء الأعرجي لم يقصد –على ما يبدو– إثارة أزمة. كان يهدف إلى الإشادة بـ”نُبل السوداني”، الذي امتنع عن استغلال مادة فاضحة ضد خصومه. لكن بدلاً من أن يُحسب ذلك موقفاً نبيلاً لرئيس الوزراء، فُهم التصريح على أنه إقرار بوجود تسجيلات جنسية تُستخدم في الصراع السياسي، وهو ما يعني أن الخصومة في العراق لم تعد تتعلق بالبرامج والسياسات، بل وصلت إلى انتهاك الحرمات الشخصية والعائلية.

ردود الفعل

النائب عدنان الزرفي، رئيس تحالف البديل، كان من أوائل من ردّوا على الأعرجي، معتبراً أن ما جرى “انحدار خطير” يكشف نية بعض الأطراف لاستخدام أي مادة متاحة لإسقاط خصومهم. وأكد الزرفي أن “القضية أكبر من حرب التسريبات، إذ أن تبجح شخصية سياسية قريبة من رأس الحكومة بأنها منعت الانتفاع من تسجيل لا أخلاقي لخصم سياسي يعني أولاً أنهم يتقصون بيوت العراقيين، وثانياً أن لديهم النية لاستخدام ما يقع بأيديهم لإسقاط خصومهم، وثالثاً أن خصومهم لا عَدَّ لهم، فهم كل من يخالفهم الرأي، ونحن منهم”.

وأضاف الزرفي: “لم يتركوا لنا ما نقوله، فهذا انحدار لن نخوض فيه، وعلى العراقيين أن يُحصنوا بيوتهم من رعاتهم، والحل قريب”.

بينما وصف مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية، تصريحات الأعرجي بأنها ابتزاز سياسي خطير يهدد السلم المجتمعي، محذراً من مخاطر الزج بقضايا الشرف والعرض في صراعات حزبية، ومطالباً القضاء بالتحرك الفوري.

وأعرب المركز في بيان، عن صدمته واستغرابه الشديد من التصريحات التي ادلى بها أحد اعضاء الائتلاف الانتخابي لرئيس الحكومة والذي يعرف كذلك بانه أحد مستشاريه والمقربين منه، حيث هدد بنشر مقطع فيديو فاضح للشخص الذي يقف وراء التسريبات المفبركة الاخيرة لشخصيات مقربة من رئيس الوزراء.

وأضاف أن هذا المستوى الصادم من التصريحات ترتقي إلى الفضيحة، مما يستدعي من الجهات القضائية والتشريعية المسؤولة ان تتخذ الاجراءات اللازمة تجاه هذا الانحدار الأخلاقي. كما يعرب مركز النخيل عن اسفه البالغ لاستخدام بعض البرامج الحوارية كمنابر ومنصات لنشر هكذا نوع من الإسفاف والابتذال والتهديد بنشر الفضائح.

وعلى منصات التواصل الاجتماعي، كانت ردود الفعل أكثر حدة. مدونون وناشطون رأوا أن ما قاله الأعرجي يمثل إهانة مباشرة لشرف المرأة العراقية، وأن مجرد التلميح بوجود “فيديوهات محرمة” يدخل في دائرة الإسفاف الإعلامي و”الانحطاط السياسي”. وان العراقيون مجتمع عشائري محافظ، يُعلي من قيمة الشرف والكرامة. الزج بمقاطع “إباحية” في صراع سياسي ليس مجرد إساءة فردية، بل يُعتبر اعتداءً على قيم المجتمع بأكمله.

بعض المغردين اعتبروا أن تصريحات الأعرجي “كسرت محرمات المجتمع” لأن السياسة في العراق –على الرغم من كل ما يعتريها من فساد وخلافات– لم تكن تصل سابقاً إلى هذا المستوى من الابتزاز الجنسي. كما ان العديد من التعليقات دعت لجنة المحتوى الهابط إلى التدخل الفوري لمحاسبة المتسبب، باعتبار أن التصريحات تتضمن خطاباً هابطاً يسيء إلى الذوق العام ويتعارض مع القوانين النافذة الخاصة بحماية المجتمع من الانحطاط الإعلامي.

أما المنظمات النسوية حذرت من أن أي إساءة تطال سمعة المرأة العراقية تمثل إهانة جماعية، وأكدت أن استخدام هذه الأدوات يكرس ثقافة الابتزاز والتهديد الجنسي، ويجعل النساء أكثر عرضة للاستغلال في بيئة يغيب عنها القانون الرادع.

فيما العديد من الشيوخ ورجال الدين عبروا عن قلقهم من خطورة هذه الظاهرة، داعين السياسيين إلى “الارتقاء بخطابهم وحماية أعراض الناس بدلاً من استغلالها”.

ووفقاً لقانون العقوبات العراقي، وبالتحديد المادة (430)، فإن التهديد بالكشف عن أمور مخلة بالشرف يُعد ابتزازاً جنائياً ويعاقب عليه القانون. وهذا ما دفع قانونيين إلى المطالبة بتحرك عاجل من الادعاء العام للتحقيق مع الأعرجي.

تساؤلات

القضية لا تتعلق بمجرد تصريح إعلامي – بحسب مراقبين – بل ترتبط بمدى قانونية حيازة هكذا مادة (إن وجدت)، والجهة التي حصلت عليها، وهل تم استخدام أدوات الدولة أو الأجهزة الأمنية في الحصول على هذا الفيديو؟، هل تستخدم مؤسسات الدولة في جمع هكذا تسجيلات؟، وكيف يمكن للعراق أن يُقنع المجتمع الدولي بأنه يسير نحو دولة مؤسسات بينما الخطاب السياسي يتلوث بمثل هذه التهديدات؟

وهذه الأسئلة أثارت مخاوف من تورط مؤسسات رسمية في أعمال تنصت أو مراقبة غير قانونية، وهو ما يعيد للأذهان فضائح سابقة ارتبطت بملفات التنصت على مسؤولين ومعارضين. كما أن الإجابة على هذه الأسئلة باتت ضرورة سياسية وأخلاقية، وإلا فإن مصداقية الحكومة ستتضرر داخلياً وخارجياً.

الأزمة الحالية ليست مجرد زوبعة إعلامية – بحسب سياسيين – بل مؤشر على تصعيد خطير في طبيعة الصراع السياسي بالعراق. إذا لم يتم وضع حد لاستخدام أدوات الابتزاز الأخلاقي، فإن الساحة السياسية قد تنحدر إلى مستويات أخطر، تشمل نشر فضائح مصورة أو تسريب مواد شخصية، ما يهدد بتدمير أي إمكانية لبناء ثقة بين القوى السياسية. كما أن استمرار هذه الظاهرة سيُضعف ثقة الشارع بالطبقة السياسية أكثر مما هي ضعيفة أصلاً، ويُعزز مشاعر اللاجدوى والخيبة لدى العراقيين.

ويقول مسؤول سياسي تعقيبا على ماجرى، إن تصريحات بهاء الأعرجي شكّلت صدمة قوية للرأي العام، لأنها فتحت باباً لم يكن مطروقاً في الصراع السياسي العراقي: باب العرض والشرف. الغضب الشعبي والرسمي الذي أعقبها يعبّر عن رفض قاطع لتحويل السياسة إلى ساحة للابتزاز الأخلاقي.

وفي المحصلة، فإن تصريحات بهاء الأعرجي كشفت هشاشة المشهد السياسي العراقي، وأظهرت أن الخصومة خرجت عن إطارها المشروع لتدخل في فضاءات الابتزاز الشخصي والطعن بالشرف. الغضب الشعبي والسياسي والإعلامي الذي أعقبها ليس مجرد رد فعل عاطفي، بل هو دفاع عن الحد الأدنى من القيم التي يقوم عليها المجتمع العراقي.

اليوم، يقف العراق أمام امتحان أخلاقي وقانوني: إما أن يتعامل بجدية مع هذه التصريحات ويفتح تحقيقاً شفافاً، أو أن يتركها تمرّ، ما يعني فتح الباب على مصراعيه أمام مرحلة جديدة من الانحدار السياسي، قد تكون تداعياتها أخطر من كل ما سبق.

زر الذهاب إلى الأعلى