
أولاً: أصول الفكر المدخلي
المدخلية هي تيار سلفي متشدد ينسب إلى الشيخ ربيع بن هادي المدخلي. يركز هذا التيار على مبدأين أساسيين: الطاعة المطلقة لولي الأمر، والتحذير الشديد من أي جماعات إسلامية أخرى، وخاصة تلك التي لها توجه سياسي.
يُعدّ كتاب “منهج أهل السنة والجماعة في السمع والطاعة لولاة الأمور” للشيخ ربيع بن هادي المدخلي، والذي طبع لأول مرة في عام 1992، مرجعاً أساسياً في هذا الفكر. يرى المدخلي أن:
“إن من أهم أصول أهل السنة والجماعة هو وجوب طاعة ولاة الأمور في المعروف، وعدم الخروج عليهم، والصبر عليهم وإن جاروا أو ظلموا. ومن خالف هذا المبدأ، فهو على منهج الخوارج.”
(ربيع بن هادي المدخلي، “منهج أهل السنة والجماعة في السمع والطاعة لولاة الأمور”، ص 15).
هذا المبدأ، الذي يطلق عليه “قاعدة السمع والطاعة”، يُستخدم لتبرير أي سياسات للحاكم، وشرعنة قمع أي معارضة سياسية، حتى وإن كانت سلمية.
ثانياً: المدخلية في العراق.. امتداد وتغلغل
ظهرت المدخلية في العراق بعد عام 2003، وانتشرت في المحافظات السنية. لم تكن هذه الجماعة قوة عسكرية، بل قوة فكرية ركزت على:
١- تفكيك النسيج الاجتماعي: قام أتباع هذا التيار بتكفير وتضليل العديد من الشخصيات والجماعات الإسلامية السنية في العراق. هذا المنهج أدى إلى تفكيك وحدة الصف السني، وإضعافه.
٢- موقفها من الدولة العراقية الحديثة: لا تؤمن المدخلية في العراق بالنظام السياسي الحالي، وتعتبر الدولة العراقية الحديثة “دولة شيعية مجوسية”، لا يجوز دعمها أو الانتماء لمؤسساتها. هذا الموقف يتناقض مع توجههم العام بالطاعة لولي الأمر، لأنهم لا يرون في قادة العراق ولاة أمر شرعيين. هذا الموقف يختلف عن موقفهم من الأنظمة الخليجية، حيث يعتبرون قادتها “ولاة أمر” تجب طاعتهم.
ثالثاً: قرار الحظر ونقضه.. شهادة على النفوذ السياسي
في خطوة شجاعة أثارت جدلاً واسعاً، قررت مستشارية الأمن القومي العراقي، بتاريخ 22 مايو 2024، حظر الفرقة المدخلية وتصنيفها “حركة متطرفة وعالية الخطورة”. جاء هذا القرار بناءً على توجيه من رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني.
“المستشارية صنفت المدخلية كحركة متطرفة وعالية الخطورة على الأمن والسلم المجتمعي، ويجب التعامل معها ومكافحتها في المحافظات التي تنشط فيها.”
(المتحدث باسم مستشارية الأمن القومي، في تصريح لبرنامج “هنا بغداد” على قناة “السومرية”، تاريخ الحلقة: 23 مايو 2024).
لم يدم هذا القرار طويلاً. فبعد أيام قليلة، وتحديداً في 25 مايو 2024، أصدر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قراراً بإيقاف إجراءات الحظر. هذا التراجع السريع كان نتيجة لضغوط سياسية من قبل خميس الخنجر، رئيس تحالف السيادة، الذي اعتبر قرار الحظر “تجاوزاً على حرية التعبير والمعتقد”.
“هذا القرار يمثل ضربة لجهود المصالحة والوحدة الوطنية، ويهدد الاستقرار في المحافظات المحررة.”
(خميس الخنجر، بيان صحفي صادر بتاريخ 23 مايو 2024، نقلاً عن وكالة “رووداو”).
هذا التناقض بين قرار المؤسسة الأمنية والقرار السياسي يكشف أن هناك أطرافاً سياسية تستغل هذه الفرقة لخدمة أجندتها الخاصة، بغض النظر عن المخاطر التي تشكلها على المجتمع العراقي. هذه الحادثة توضح أن العراق ما زال عرضة لتقلبات المصالح السياسية على حساب الأمن القومي ،وان استمرار وجود مثل هذه الجماعات ستكون بمثابة من يدحرج كرة ثلج صغير من اعلى قمة الجبل في البداية ليس لها اثر يذكر ولكن نهايتها خطرة جداً.
المصادر والمراجع:
* ربيع بن هادي المدخلي، “منهج أهل السنة والجماعة في السمع والطاعة لولاة الأمور”، طبعة 1992.
* مقابلة المتحدث باسم مستشارية الأمن القومي في برنامج “هنا بغداد”، قناة “السومرية”، تاريخ الحلقة: 23 مايو 2024.
* تصريح صحفي لمكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بتاريخ 25 مايو 2024.
* تقرير لوكالة “رووداو” الإخبارية، بعنوان: “الخنجر يعلق على حظر ‘المدخلية’: قرار سياسي”، بتاريخ 23 مايو 2024.



