سباق محموم نحو السلطة.. شيوخ وضباط وفنانون وتجار يقتحمون المشهد الانتخابي
فنار نيوز - تحقيقات

تشهد الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة حالة غير مسبوقة من الزخم، مع دخول ما يقرب من 7900 مرشح غمار السباق نحو قبة البرلمان، في واحدة من أكثر الدورات الانتخابية سخونة وتنوعًا. هذا الإقبال الكثيف أعاد إلى الواجهة ظاهرة “حمّى الترشح”، حيث تدفقت موجات من المرشحين من خلفيات شتى، من شيوخ عشائر وضباط وصحافيين إلى فنانين ومهنيين آخرين، ما يطرح تساؤلات جدية حول دوافع هذا الاندفاع الجماعي. وبين من يرى في الترشح وسيلة للتغيير، وآخرين يلمحون إلى رغبة في استثمار فرصة سياسية واجتماعية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل نحن أمام حراك ديمقراطي ناضج، أم مجرد سباق محموم نحو السلطة والنفوذ؟
سيرة لا تناسب العمل التشريعي
وفي هذا الصدد، تقول النائبة السابقة شروق العبايجي إن “العدد الكبير الذي تجاوز سبعة آلاف مرشح أغلبه من خارج الوسط السياسي، ومن أشخاص لا يمتلكون سيرة ذاتية ملائمة للعمل التشريعي”، مبينة أن “الكثير من هؤلاء ينتمون إلى فئة رجال الأعمال الباحثين عن حماية مصالحهم عبر النفوذ السياسي، أو إلى متقاعدين وموظفين بعيدين عن طبيعة العمل النيابي”.
وأضافت أن “هذا الواقع جعل البرلمان مؤسسة غير فعالة، وفاقدة لثقة الشارع، وهو ما انعكس على ضعف المشاركة في الانتخابات”.
وهذا التنوع الواسع قد يُقرأ كدليل على فاعلية ديمقراطية، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن فوضى انتخابية تضع الناخب أمام مهمة صعبة في التمييز بين الجادّين وبين من يسعون فقط وراء الامتيازات.
ومن الناحية الاجتماعية، يُنظر إلى ترشح شيوخ العشائر على أنه امتداد طبيعي للدور التقليدي الذي تلعبه العشيرة في العراق، حيث يرى كثيرون أن تمثيلهم داخل البرلمان قد يحمي مصالح مناطقهم.
أما دخول الصحافيين والفنانين، فيحمل بُعدًا مختلفًا، إذ يُفسَّر كبحث عن منصة أكبر لنشر أفكارهم أو تعزيز حضورهم العام، وربما كوسيلة للتحصن سياسياً في وجه تقلبات الساحة الإعلامية.
ويرى خبراء انتخابيون أن المشهد الحالي يعكس غياب القوانين الرادعة التي تضع ضوابط للترشح، الأمر الذي سمح بتسجيل آلاف الأسماء دون غربلة حقيقية، ما قد يؤدي إلى تشتت أصوات الناخبين وإضعاف فرص القوائم الكبرى.
كما يحذر هؤلاء من أن تضخم أعداد المرشحين يفتح الباب أمام المال السياسي وشراء الولاءات، في ظل غياب برامج انتخابية واضحة لدى كثير من الطامحين.
مرادف للمغانم
بدوره، أكد الباحث في الشأن السياسي جاسم الغرابي أن “الترشح إلى مجلس النواب أصبح في ذهن الكثير من المرشحين مرادفاً للمغانم الشخصية أكثر من كونه واجباً لخدمة المجتمع”.
وأضاف الغرابي، أن “الصورة الذهنية السائدة اليوم لدى الناس هي أن النائب لا يقدم خدمة حقيقية، بل يسعى إلى الاستفادة من الامتيازات والصفقات، حتى صار وصفه في الخيال الشعبي أقرب إلى من يمارس السرقة لأربع سنوات مقبلة”.
وتابع أن “هذا الانطباع المتراكم أدى إلى تعميق عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات، إذ يرى كثيرون أن التصويت يعني منح الشرعية لمن يسعى إلى نهب المال العام”، لافتاً إلى أن “القوانين التي يقرها البرلمان تصب في الغالب في مصالح الكتل السياسية لا في مصلحة الشعب، وهو ما عزز الشكوك لدى الناخبين وأضعف الثقة بالعملية الديمقراطية برمتها”.
واضاف أن “هذه الممارسات تجعل النفعية الذاتية هي المحرك الأبرز للترشح، في وقت يغيب فيه الاهتمام الحقيقي بمصلحة المجتمع وإصلاح الواقع السياسي المثقل بالخلافات والمناكفات منذ أكثر من عقدين”.
وبينما تواصل المفوضية استعداداتها لإجراء الانتخابات، تبقى المخاوف قائمة من أن يؤدي التضخم في أعداد المرشحين إلى مزيد من التشويش على الناخبين، وتعقيد المشهد السياسي، وإعادة إنتاج حالة من الإحباط الشعبي تجاه صناديق الاقتراع.