
عانت التجربة الديمقراطية في العراق من تحديات وعثرات كبيرة كادت ان تودي بها في سنوات ولادتها الاولى لولا موقف المرجعية الدينية في كتابة وإقرار الدستور العراقي الدائم بايدي عراقية وطرحه للاستفتاء عام ٢٠٠٥ اولا؛. وارادة العراقيين في مجابهة ارهاب القاعدة ثانيا؛ في حينها بتحدي الوصول الى المراكز الانتخابية رغم المخاطر الجسيمة. وثالثا؛ رغبة الشعب وتمسكه بالحرية في اختيار ممثليه وانجاح الديمقراطية بعد عقود من الديكتاتورية.
وهكذا نجحت العملية الانتخابية في بدايتها نجاحا كبيرا ولاقت قبولا ومشاركة واسعة بلغت ٦٢ بالمئة و ٧٩ بالمئة على التوالي في انتخابات كانون الثاني للجمعية الوطنية وكانون الاول للبرلمان عام ٢٠٠٥ رغم غياب ومقاطعة المكون السني… واستمرت المشاركة الواسعة في عام ٢٠١٠ و٢٠١٤ بين ٦٠ و ٦٢ بالمئة الى لحظة دخول داعش الإرهابي وسقوط ثلاث محافظات وما تلاها من احداث حتى النصر عام ٢٠١٧ وتحرير كامل الاراضي العراقية من دنس الإرهابيين.
واجهت التجربة العراقية الوليدة تحديات جسيمة ما كانت لتنجح في بلد ثاني غير العراق في سنواتها العشر الاولى ومن اهمها:
١. الاحتلال الامريكي.
٢. ارهاب القاعدة.
٣. الانقسام الطائفي.
٤. المقاطعة السنية بين اعوام ٢٠٠٥ و ٢٠٠٨.
٥. دخول داعش وسقوط اكثر من ثلث الاراضي العراقية وتهديده للعاصمة.
٦. تفشي الفساد في كل مفاصل الدولة.
ورغم ذلك استمرت التجربة ، لكن الانقسامات الداخلية والتدخلات الخارجية القت بظلالها على الانتخابات ، فانخفضت نسب المشاركة عام ٢٠١٨ الى ما يقارب ٤٠ بالمئة وتلتها احداث تشرين ٢٠١٩ وسقوط الحكومة. ورغم محاولة اصلاح الوضع بعد التظاهرات الواسعة التي اجتاحت البلاد وازمة كورونا ، الا ان نسب المشاركة ظلت متدنية في انتخابات ٢٠٢١ التشريعية ، وادناها في انتخابات مجالس المحافظات عام ٢٠٢٣… لن نتفاءل كثيرا بالانتخابات المقبلة لعدة اسباب منها:
اولا: لم يتغير الوضع السياسي كثيرا ، فالاحزاب المخضرمة ما زالت تهيمن على المشهد السياسي من عام ٢٠٠٣ والى اليوم وبالذات بالنسبة للمكونين الشيعي والكردي.
ثانيا: ما زال الاحتلال الامريكي جاثما على جسد السياسة العراقية رغم خروجه العسكري الشكلي عام ٢٠١١.
ثالثا: ما زال الفساد والمال السياسي مستشري بين الاحزاب الحاكمة بالذات ، والمرشحة عموما.
رابعا: لم يلحظ الناخب اي نتيجة إيجابية لمشاركاته السابقة او اداءا قويا يدفعه للمشاركة والتصويت بقوة في الانتخابات المقبلة ، فما زال الساسة في واد والشعب في الوادي الأسفل بعيدا عن اهتماماتهم. لذلك لن تكون الانتخابات المقبلة بافضل حال من سابقاتها من ناحية النتائج او نسب المشاركة.
ان الامل بالمستقبل يظل قائما في التجارب الديمقراطية ما دامت عجلة الانتخابات دائرة ، وقد نشهد يوما تغييرا ايجابيا من قوى جديدة تحمل مشاريعا حقيقة لا شعارات فقط ، تلبي تطلعات المواطن وتخدم البلد بشكل أفضل ، تنبذ الفساد ولا تؤمن بالطائفية والمكونات ولاءها للوطن وهمها المواطن… وهذا ما نتمناه.



