صفقة الجولاني وتل أبيب: سلام زائف على حساب الدم السوري

من ثوب الارهاب إلى بدلة الدولة.. إسرائيل تكسب الأمان والجولاني يكسب الشرعية، فيما يخسر السوريون حاضرهم ومستقبلهم

فنار نيوز – بغداد – 25 آب/أغسطس 2025

تتحدث مصادر إعلامية عبرية وغربية عن تقدم في المفاوضات بين دمشق وتل أبيب برعاية أميركية وخليجية، على أساس اتفاقية فصل القوات لعام 1974. ويُسوَّق لهذه المفاوضات على أنها خطوة نحو “الاستقرار” بعد أكثر من عقد من الحرب السورية. لكن قراءة متأنية تكشف أن ما يجري ليس سوى صفقة مشبوهة: تثبيت للاحتلال الإسرائيلي في الجولان من جهة، وتبييض لصورة سلطة جهادية غير شرعية من جهة أخرى، يقودها أحمد الشرع (المعروف بـأبي محمد الجولاني)، الزعيم السابق لجبهة النصرة.

______

سلطة أمر واقع بلا شرعية وطنية

ما يسمى بـ“الجمهورية السورية الجديدة” التي يقودها الجولاني، لا تستند إلى أي عملية سياسية نزيهة أو تمثيل شعبي. إنها سلطة أمر واقع:

• فرضت دستورًا كتبته لنفسها.

• عينت حكومة ومجلسًا نيابيًا شكليًا من اختيارها.

• لم تُجر أي استفتاء شعبي أو انتخابات حرة.

هكذا تحولت سوريا إلى كيان مغلق، تديره جبهة إسلامية جهادية، بينما تُقصى جميع الأصوات المعارضة أو المستقلة.

______

سجل دموي ومجازر ممنهجة

منذ بروزها، ارتبطت هذه السلطة بانتهاكات مروعة وجرائم ذات طابع طائفي:

• إبادة جماعية في الساحل السوري ضد الشيعة والعلويين، وقتل جماعي ضد المسيحيين وحتى ضد السنة المعتدلين.

• مجازر في السويداء وجرمانة استهدفت الدروز بدموية، ولا تزال آثارها مستمرة.

• قمع شامل شمل الطرد من الوظائف، الاعتقالات التعسفية، اتهامات بالجملة بالارتباط بالنظام السابق، وخنق للحريات الإعلامية والمدنية.

هذه الممارسات ليست أحداثًا من الماضي، بل سياسة قائمة حتى اللحظة، وتكشف طبيعة السلطة التي يُراد لها اليوم أن تتحول إلى “شريك في السلام”.

دولة المقاتلين الأجانب

تقوم البنية الأمنية والعسكرية للسلطة الجديدة على آلاف المقاتلين الأجانب الذين دخلوا سوريا منذ أكثر من عقد. هؤلاء حصلوا على الجنسية السورية، وأصبحوا يشكلون نواة الجيش والأمن العام.

إن إعادة تدوير هؤلاء في صورة “قوات نظامية” لا يغير حقيقتهم: إنهم مرتزقة جهاديون يفتقرون لأي انتماء وطني حقيقي، ويشكلون تهديدًا دائمًا للسوريين وللمنطقة بأسرها.

بلد ممزق وسيادة منتهكة

على الرغم من خطاب “الوحدة الوطنية” الذي يرفعه الجولاني، فإن الواقع السوري أبعد ما يكون عن الوحدة والسيادة:

• نحو ثلث الأراضي السورية لا يزال تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي تطالب بدستور عادل وحكومة تمثل جميع المكونات السورية.

• تركيا تحتل مناطق واسعة في الشمال السوري، وتفرض واقعًا أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا.

• التدخلات الأميركية والروسية والإيرانية مستمرة في مناطق مختلفة.

هذا الواقع يكشف أن ما يسمى بالدولة الجديدة هو في الحقيقة كيان مفكك، يفتقر إلى السيادة على أرضه.

سلام يخدم إسرائيل ويبيض صورة الجولاني

وفقًا لما تسرب من المفاوضات، فإن الاتفاق المطروح يقتصر على:

• التزام سوري بحدود 1974.

• ضمانات أمنية لإسرائيل على جبهتها الشمالية.

• وعود أميركية برفع العقوبات ومنح السلطة الجديدة غطاءً دوليًا.

هذا الاتفاق يخدم إسرائيل بتثبيت احتلالها للجولان ومنحها أمانًا استراتيجيًا، ويخدم الجولاني بتلميع صورته كـ“رجل دولة” بدلًا من زعيم جهادي دموي. أما الشعب السوري، فلا ينال شيئًا سوى استمرار القمع والفوضى.

خطر على العراق ولبنان والمنطقة

لا يقف خطر هذا الكيان عند حدود سوريا:

• وجود آلاف المرتزقة والمقاتلين الأجانب تحت لوائه يجعله منصة جاهزة لحروب بالوكالة في العراق ولبنان.

• خطابه الطائفي المتشدد يعيد إنتاج أسباب العنف الإقليمي.

• ارتهانه لتحالفات متقلبة مع واشنطن وأنقرة وتل أبيب يجعله أداة وظيفية لمشاريع خارجية.

بهذا المعنى، فإن السلطة السورية الجديدة ليست ضمانًا للاستقرار، بل تهديد إقليمي طويل الأمد.

سلام بلا شرعية ولا حقوق

إن أي اتفاق أمني أو سياسي لا يقوم على:

1. شرعية نابعة من الشعب السوري عبر دستور عادل وانتخابات نزيهة.

2. عدالة انتقالية تحاسب مرتكبي الجرائم وتكشف مصير المفقودين.

3. إنهاء الاحتلال والتدخلات الأجنبية كافة، بما فيها إسرائيل وتركيا.

سيبقى مجرد هدنة هشة، قابلة للانفجار في أي لحظة.

الخلاصة – هدنة على جمر

ما يُسوَّق له اليوم ليس سلامًا، بل صفقة قصيرة النظر: إسرائيل تثبت احتلالها، والجولاني يبيض ماضيه الدموي، بينما يبقى السوريون بلا حرية ولا حقوق، وتبقى المنطقة على فوهة بركان.

فنار نيوز ترى أن أي “سلام” لا يقوم على العدالة والشرعية والسيادة، هو سلام زائف، لا يحقق الاستقرار، بل يكرّس الفوضى ويؤسس لجولات جديدة من العنف.

زر الذهاب إلى الأعلى