
تمرّ الذكرى السنوية الأولى لمجزرة «البيجر» التي استهدفت لبنان في 17 أيلول/سبتمبر 2024، فيما ما زال مشهد الدم والدمار حاضراً في الذاكرة الجماعية. لكن وسط الحزن، برز عنصر آخر لا يقل أهمية: صمود المقاومة وبيئتها الشعبية، التي حوّلت الجريمة إلى محطة جديدة في معركة الإرادة مع العدو الصهيوني.
البيجر: جريمة بأبعاد استراتيجية
تفجيرات أجهزة الاتصال «البيجر» لم تكن عملية عابرة، بل هجوم نوعي استهدف شريان التواصل لدى المقاومة وأراد شلّ قدراتها الميدانية. اختيار التوقيت والمكان والطريقة يعكس مستوى متقدم من التخطيط والرسالة النفسية: «لسنا فقط نستطيع ضرب البنية العسكرية، بل أدواتها التقنية».
لكن الرسائل النفسية لم تُحقق هدفها، إذ سرعان ما تحولت إلى موجة استنكار لبنانية، ورفعت مستوى التضامن الشعبي مع المقاومة.
بيئة المقاومة: من التحدي إلى التعبئة
البيئة الشعبية التي احتضنت المقاومة على مدى عقود برهنت من جديد أنها ليست متفرجاً، بل شريكاً فاعلاً في المعركة. من التبرع بالدم في المستشفيات إلى المسيرات التضامنية، كان الرد الشعبي فطرياً وعفوياً، كأنه يقول: «لن نُكسر ولن نخاف».
هذا التضامن الواسع أعاد تثبيت مشروعية المقاومة داخل لبنان وخارجه، وحصّنها أمام أي محاولات لتشويه صورتها أو عزلها سياسياً.
المقاومة بين الردع والاستعداد
رد فعل المقاومة لم يكن مجرد بيانات، بل خطوات عملية لإعادة ترميم منظومتها وتأمين بدائل تقنية واتصالية خلال فترة قصيرة، ما أظهر مرونة وقدرة على امتصاص الصدمات.
وبالتوازي، أبقت المقاومة خطابها السياسي مرتفع النبرة، مؤكدة أنّ «الدم لن يذهب هدراً»، ما أعاد إلى الأذهان معادلة الردع المتراكمة منذ حرب تموز 2006: أن أي عدوان سيقابل بثمن
معركة الإرادة
ما يجري ليس مجرد مواجهة عسكرية أو تقنية، بل هو معركة إرادة: من يكسر من؟ العدو أراد ضرب الروح المعنوية، لكن ما حصل أن المقاومة وبيئتها صارت أكثر التصاقاً وإصراراً.
في المقابل، ظهرت إسرائيل بمظهر من يستخدم أساليب «التفجير عن بُعد» ضد أجهزة صغيرة، وهو ما يمكن قراءته على أنه اعتراف ضمني بعجزها عن مواجهة مباشرة، فيختار “الأسلوب غير التقليدي” بدلاً من الحرب الشاملة.
الدروس والآفاق
التقنية ليست حصانة: على المقاومة الاستمرار في تطوير بدائل اتصالية محلية مؤمنة.
الوحدة الشعبية سلاح ردع: التضامن الذي ظهر في البيجر هو أحد أقوى عناصر القوة المعنوية للمقاومة.
المسار القانوني والدبلوماسي: توثيق الجريمة وملاحقة المتورطين أمام المحاكم والهيئات الدولية يحوّل الدم إلى ملف إدانة دائم للعدو.
عامٌ على البيجر يكفي ليقول شيئاً واضحاً: لم تنكسر المقاومة ولا بيئتها، بل خرجت من تحت الركام أكثر وعياً وصلابة. هذا هو المعنى الأعمق لمعركة الإرادة: أن تتحول الجراح إلى قوة، وأن يتحول الألم إلى دافع لمزيد من الصمود والتجذر في الأرض والحق.
البيجر كانت امتحاناً كبيراً، لكن المقاومة وشعبها أثبتوا أن الامتحانات تزيدهم صلابة، وأن زمن الخوف قد ولّى.