
الديمقراطية ليست حفلة موسمية، ولا خياراً تجميلياً نتسلّى بتقويضه وقت الضيق، ولهذا يُعد التشكيك بالانتخابات، والتحريض على مقاطعتها، تضليلاً واعتداءً على الدولة والمواطن
كتب / سلام عادل
منذ عشرين سنة والعراق يسير في طريق الديمقراطية، وهو طريق مليء بالحفر والمطبات، لكنه يظل أفضل طريق بعد عقود طويلة من القمع والدكتاتورية، واليوم، هناك من يحاول أن يقنع الناس بأن الانتخابات لا قيمة لها، وأن المشاركة مجرد مضيعة للوقت، وأن صناديق الاقتراع بلا جدوى، وهؤلاء لا يمارسون حرية الرأي كما يدّعون، بل يمارسون جريمة ضد حق الشعب في اختيار مستقبله.
ولنكن واضحين: النقد مسموح به، بل هو حق مشروع، ولهذا يستطيع أي شخص انتقاد المفوضية، أو الاعتراض على القوانين، أو المطالبة بتطوير النظام الانتخابي، فهو نقاش صحي، ولكن لا يجوز إطلاق حملات مشبوهة منظمة تدعو الناس إلى مقاطعة الانتخابات، أو زرع اليأس فيهم بحجة أن “الانتخابات مزورة” أو “لا قيمة لها”، فهذا تخريب متعمّد، وهذه ليست حرية تعبير، بل هو اعتداء على حق كل مواطن يريد أن يذهب إلى الصندوق ويُدلي بصوته.
والعالم كله لا يسكت عن التضليل، وهذا معروف في الديمقراطيات الراسخة حول العالم، والتي واجهت هذا التحدي بصرامة، مثال ذلك:
1- أمريكا.. يجرّم القانون الفدرالي أي تواطؤ لـ“إيذاء أو تهديد أو ترهيب” شخص في ممارسته حقاً دستورياً، ومنها حق التصويت، عبر المادة 18 U.S.C §241، وقد استُند إليها في ملاحقات مرتبطة بسلامة العملية الانتخابية.
2- بريطانيا.. تُصنَّف جرائم “التأثير غير المشروع” و“التصريحات الكاذبة” أثناء الحملات ضمن مخالفات انتخابية يُلاحَق مرتكبوها، بحسب جداول المخالفات الرسمية لهيئة الانتخابات.
3- كندا.. يَحظر قانون الانتخابات الكندي (المادة 282) كلَّ ترهيب أو إكراه لحمل شخص على التصويت أو الامتناع عنه.
4- فرنسا.. شرّعت عام 2018 قانونًا خاصاً لوقف الأخبار الكاذبة في المواسم الانتخابية، أو التشكيك بنزاهة الاقتراع، يُمكّن القضاة من التدخل السريع لوقف المحتوى المُضلل.
5- البرازيل.. عزّزت محكمة العدل الانتخابية (TSE) إجراءاتها ضد التضليل في انتخابات 2024، بما في ذلك تحميل المنصات والفاعلين السياسيين مسؤولية المحتوى الكاذب المُهدِّد لنزاهة التصويت.
6- الهند.. يجرّم القانون “التأثير غير المشروع” على الناخبين (IPC 171C)، ومنعت قانونياً أي تدخل يُجبر الناخب على الامتناع عن التصويت.
وهذا يعني أننا لسنا بصدد ابتداع شيء جديد، وأن على العراق الالتحاق بركب الدول، التي تحمي الانتخابات بقوة القانون، مما يفرض على السلطات العراقية حماية الديمقراطية باعتبارها العمود الفقري للدستور، وواجب الدولة أن تحمي هذا العمود من التكسير، لذلك ينبغي:
1- تشريع قانون صريح يجرّم الترويج المتعمد للأكاذيب الانتخابية، على رأسها التشكيك بنزاهة العملية دون دليل.
2- معاقبة حملات الترهيب المنظمة، التي تدفع المواطنين إلى المقاطعة بالقوة أو التهديد أو التشويه.
3- إلزام وسائل الإعلام والمنصات الإلكترونية بإزالة المحتوى التضليلي في فترة الحملات الانتخابية، على غرار ما فعلت فرنسا والبرازيل.
وفي هذا الصدد، نوجّه الدعوة إلى مجلس القضاء الأعلى بضرورة فتح نافذة قضائية سريعة، أشبه بخط ساخن، يتلقى شكاوى المواطنين والمرشحين ضد من يروّج (التضليل الانتخابي)، وهذه النافذة يمكن أن تعمل كالآتي:
1- استقبال الشكاوى إلكترونياً مع أدلة (صور، روابط، فيديو).
2- اتخاذ قرارات عاجلة خلال 24 ساعة لإيقاف المحتوى المضلل أو إحالة المروّجين إلى التحقيق.
3- نشر سجل علني بالقرارات حتى يثق الناس أن هناك دولة حقيقية تدافع عن حقوقهم.
ومن هنا يتطلب من العراقيين عدم السماح لأحد بسرقة أصواتهم، ومواجهة الذين يدعون إلى مقاطعة الانتخابات باعتبارهم ليسوا أصدقاء، بل أعداء لمستقبل البلاد، واعتماد النقد والإصلاح طريقاً دون اليأس والتيئيس، الذي يقود إلى الفوضى والفراغ السياسي، فالديمقراطية في العراق ما زالت صغيرة، نعم، لكنها لن تكبر إذا تركناها بلا حماية، وتبقى الانتخابات سلاحاً ضد الفساد، ضد الاستبداد، وضد من يريد أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ولا أحد يملك الحق في أن يحرم العراقي من هذا السلاح، وكما تدافع الدول العظمى عن صندوق الاقتراع بالقوانين الصارمة، يجب أن يفعل العراق الشيء نفسه.
وفي الختام.. المعركة اليوم ليست بين حزب وآخر، ولا بين مرشح وآخر، بل بين من يؤمن بالديمقراطية ومن يستهين بها، ومن يشكك بنزاهة الانتخابات دون دليل، ومن يروّج لليأس المنظَّم، إنما يشارك في جريمة ضد الوطن، لهذا نقولها بصوت عالٍ:
الانتخابات خط أحمر، وصوت الشعب لا يُقمع إلا إذا تخلّى الشعب عنه بنفسه، فلنحمي ديمقراطيتنا بالقانون، ولنحاكم كل من يحاول سرقة الأمل من قلوب العراقيين، ويعمل على التخريب السياسي.



