مقالات

العراقيون بين المشاركة والمقاطعة… أي طريق يرسم مستقبل الانتخابات؟

الحقوقية انوار داود الخفاجي

تشهد الساحة العراقية اليوم جدلاً واسعاً بين من يرى في الانتخابات البرلمانية المقبلة فرصة للتغيير، وبين من يفضل خيار المقاطعة باعتبارها وسيلة احتجاج على واقع سياسي يصفونه بالمسدود. هذا الانقسام في المواقف لا يُعد جديداً، لكنه يكتسب أهمية استثنائية في ظل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة، حيث لا يحتمل العراق والمنطقة أي اهتزازات إضافية على المستويات الأمنية أو السياسية أو الاقتصادية.

من جهة، يؤكد المؤيدون للمشاركة أن الانتخابات تمثل الطريق الدستوري والشرعي الوحيد لإحداث التغيير. فالصندوق، برأيهم، هو الأداة التي يمكن من خلالها إيصال أصوات الشباب والنساء والفقراء والعاطلين عن العمل إلى قبة البرلمان. ويضيف هؤلاء أن المقاطعة لن تُضعف سوى الناخب نفسه، لأنها تمنح القوى التقليدية فرصة أكبر للاحتفاظ بمواقعها. وبالنسبة لهم، المشاركة تعني الاستثمار في المستقبل، والبحث عن بدائل حقيقية قادرة على مواجهة التحديات، سواء في مجال الخدمات أو الأمن أو الاقتصاد.

على الضفة الأخرى، يرى المقاطعون أن العملية الانتخابية لم تحقق طموحات العراقيين في الدورات السابقة، وأن الوعود غالباً ما تبقى حبراً على ورق. ويعتبرون أن المشاركة تعطي شرعية لنظام سياسي لم يتمكن من معالجة الفساد، أو تحسين معيشة المواطن، أو ضمان العدالة الاجتماعية. هؤلاء يفضلون التعبير عن احتجاجهم عبر العزوف عن التصويت، لإرسال رسالة واضحة بأن الشارع العراقي لم يعد مقتنعاً بالآليات التقليدية التي تدار بها العملية السياسية لكن الخطورة تكمن في أن استمرار هذا الانقسام قد يضعف شرعية البرلمان المقبل ويقلل من تمثيله الحقيقي للإرادة الشعبية. نسبة المشاركة، كما جرى في انتخابات سابقة، غالباً ما تتحول إلى معيار يُقاس به مدى ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها. فإذا كانت ضعيفة، فإن ذلك سينعكس مباشرة على أداء البرلمان والحكومة المقبلة، ويجعلها أكثر هشاشة أمام الأزمات الداخلية والضغوط الخارجية.

كما أن الوضع في المنطقة لا يتحمل عراقاً مضطرباً. أي انقسام داخلي أو أزمة سياسية جديدة قد تفتح الباب أمام مشكلات أمنية أو اقتصادية، خصوصاً في ظل التحديات الإقليمية المشتعلة. فالعراق بحاجة إلى برلمان قوي، قادر على بناء توافقات داخلية وإطلاق مشاريع إصلاحية، وليس برلماناً ضعيف الشرعية يُدخل البلاد في فراغ أو صراعات جديدة.

لذلك، تبدو مسؤولية الناخب العراقي اليوم مزدوجة: من جهة، عليه أن يوازن بين حقه في الاحتجاج وواجبه في الحفاظ على استقرار الدولة، ومن جهة أخرى، أن يبحث عن البدائل السياسية الجديدة التي يمكن أن تملأ الفراغ. فالانتخابات ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لإحداث تغيير واقعي، أو على الأقل للحد من تكرار الإخفاقات السابقة.

في الختام ، يبقى السؤال مفتوحاً هل ستترجم إرادة العراقيين هذه المرة في صناديق الاقتراع، أم أن خيار المقاطعة سيغلب ليعيد إنتاج المشهد ذاته؟ الجواب سيحدده حجم الوعي الشعبي، وإصرار القوى السياسية على تقديم برامج حقيقية تتجاوز الشعارات إلى الأفعال. فما بين المشاركة والمقاطعة، يتحدد مستقبل العراق السياسي، وتُرسم ملامح المرحلة المقبلة بكل ما تحمله من تحديات وفرص.

زر الذهاب إلى الأعلى