مقالات

الفكر قبل الجندي: كيف تحسم الحروب الناعمة؟ سلام عادل مثالا

كتب / أسعد البصري

‏”مارتن لوثر كينغ، الذي لم يحتج سوى جملة واحدة “I have a dream” ليصنع ترنداً تاريخياً غيّر مسار الحقوق المدنية في أمريكا، وسارتر في فرنسا حوّل الفلسفة الوجودية من مادة نخبوية إلى قضية شعبية، حتى غدت أفكاره مثار جدل في الشارع لا في الجامعات فقط، والإمام الخميني، قدّم مثالاً أكثر وضوحاً على صناعة الترند المقاوم”

‏ومن هنا نفهم أن الترند ليس ترفاً رقمياً، بل هو ساحة مواجهة حقيقية، والقوى التقليدية قد تمتلك المال والإعلام الممول، لكن الأفراد المبدعين يمتلكون الفكر والقدرة على تحويل لحظة صغيرة إلى قضية كبرى، والمنتصر في هذه الحرب ليس الأغنى، بل الأذكى، وهو من يملك فلسفة صناعة الترند”

‏أحياناً لا يحتاج تغيير مسار الرأي العام إلى جيوش ولا أموال، بل إلى فكرة واحدة تُقال في اللحظة المناسبة فتشعل العقول وتعيد ترتيب موازين القوة.

‏لقد انتبه الحشد الشعبي متأخراً إلى حاجتهم لأبطال في القوة الناعمة يكونون مقنعين على مستوى الشارع والنخبة حتى لا تضيع مكتسباتهم في المعارك والسياسة سدى ويخسرون المعركة الفكرية بحيث صار العدو يقنع الشارع العراقي بأن ايران صنعت داعش وان الشهيد سليماني شكل الارهاب وان الزمن تجاوز فكرة الهوية والمقاومة ولابد من اللحاق بالأميركي وبهذه الخدعة تضيع التضحيات والبطولات والدماء من خلال الهزيمة الإعلامية والفكرية .

‏ظهر سلام عادل في أحلك مرحلة بتاريخ الحشد الشعبي ولمع كصوت محترف يستطيع وضع الأوسمة على الصدور التي تستحقها.

‏من يصنع الترند؟ سؤال يبدو وكأنه مرتبط بخوارزميات المنصات الرقمية أو أدوات الترويج الممول، لكنه في حقيقته سؤال فلسفي عميق يمس جوهر السلطة على العقول، فالترند ليس مجرد موجة عابرة في فضاء التواصل الاجتماعي، بل هو ساحة حرب ناعمة تُدار فيها معركة الأفكار والرموز، حيث تتشكل اتجاهات الرأي العام وتُعاد صياغة الوعي الجمعي.

‏وفي الماضي كان يُقال إن التاريخ يكتبه المنتصرون، أما اليوم في زمن الإعلام الرقمي، فإن الترند يكتبه المبدعون، حيث لم يعد السلاح وحده هو الذي يحسم المعارك، بل الكلمة والصورة والفكرة، فهي التي تجتاح العقول وتغير موازين القوى، فالجنود يقاتلون على الأرض، أما صانعو الترند فيقاتلون في العقول، وهذا هو الفارق بين المواجهة التقليدية والحرب الناعمة.

‏ولهذا تبدو صناعة الترند ليست صدفة ولا ارتجالاً، بل إنها فعل يقوم على الفكر والقدرة على الابتكار، وعلى مزج الإعلام بالفن، وتحويل اللحظة إلى رمز، وصانع الترند لا يلهث وراء الموجة، بل يخلقها، ولا يرضخ لقوانين الخوارزميات، بل يجعلها في خدمته، الفكرة الجديدة، الرمز المكثف، اللحظة المناسبة، والقدرة على تقديمها في صورة فنية لا تُقاوَم، هي الأسس التي يقوم عليها أي ترند قادر على اجتياح الفضاء العام.

‏والتجارب العالمية تشهد على ذلك، مثال على ذلك مارتن لوثر كينغ، الذي لم يحتج سوى جملة واحدة “I have a dream” ليصنع ترنداً تاريخياً غيّر مسار الحقوق المدنية في أمريكا، وسارتر في فرنسا حوّل الفلسفة الوجودية من مادة نخبوية إلى قضية شعبية، حتى غدت أفكاره مثار جدل في الشارع لا في الجامعات فقط، والإمام الخميني، قائد الثورة الإسلامية في إيران، قدّم مثالاً أكثر وضوحاً على صناعة الترند المقاوم، لكونه استطاع بخطاباته البسيطة والعميقة، وبقدرته على تحويل المعاني الدينية والسياسية إلى رموز ثورية، أن يجعل من “الاستقلال والحرية والجمهورية الإسلامية” شعاراً عالمياً اجتاح المنطقة وغير معادلات القوى، حتى باتت الثورة نفسها ترنداً عابراً للحدود.

‏ومن هنا نفهم أن الترند ليس ترفاً رقمياً، بل هو ساحة مواجهة حقيقية، والقوى التقليدية قد تمتلك المال والإعلام الممول، لكن الأفراد المبدعين يمتلكون الفكر والقدرة على تحويل لحظة صغيرة إلى قضية كبرى، والمنتصر في هذه الحرب ليس الأغنى، بل الأذكى، وهو من يملك فلسفة صناعة الترند.

‏وفي العراق، حيث تتزاحم الخطابات وتتعدد السرديات، أثبت سلام عادل أنه ليس مجرد مشارك في لعبة الترند، بل صانع لها ومهندس لاتجاهاتها، وامتلك ما لا يملكه الآخرون: معرفة بالنظريات الإعلامية والفكرية التي تحكم حركة الرأي العام، قدرة على المزاوجة بين الصحافة، التي تقوم على القاعدة، والفنون الجميلة، التي تقوم على كسرها، وكاريزما إعلامية جعلت حتى صناع الترند التقليديين يتحولون إلى أدوات متأثرة بجاذبيته.

‏ولهذا فإن القول بأن سلام عادل “سيد الترند في العراق” ليس ادعاءً، بل توصيف لواقع أثبته بالنتائج، لا يلهث وراء الترند، بل الترند هو من يلحق به، ليس مجرد حضور في فضاء رقمي عابر، بل هو مساهمة في معركة كبرى، حيث يتحول الفكر والإبداع إلى سلاح يتفوق على المال والآلة الإعلامية.

زر الذهاب إلى الأعلى