مقالات

هل هناك من يستطيع هزّ أركان مذهب أهل البيت؟

الدكتور علي المؤمن

كتب إليّ أحدهم منبهاً إلى مقالات ينشرها شيعي (مشكك) على وسائل التواصل، وقال إن هذا الشخص (أفلح) و(نجح) في هزّ أركان مذهب أهل البيت.

فأجبته: لو اجتمع عشرة ملايين من أمثال هذا الشخص، ومعهم عشرة ملايين من أمثال المتحوِّلين: المؤيِّد والكاتب والبرقعي وكسروي وحكمي زاده وغيرهم، وتعاضدوا وحصلوا على دعم بمئات ملايين الدولارات، فإنهم لن يستطيعوا مس شعرة من مذهب آل البيت.

وكذلك لو اجتمع معهم العدد نفسه من الوهابيين وآل سعود وآل البعث وداعش والقاعدة؛ فإنهم لن يفلحوا، كما لم يفلح الآلاف قبلهم من أمثال معاوية ويزيد والمنصور والمتوكل وابن تيمية وابن القيم والأيوبي وزنكي وهوتكي وابن باديس وسليم الأول ونوح الحنفي وعبد الوهاب وابن باز وصدام حسين، في التأثير على نمو مذهب أهل البيت وانتشاره وصعوده، رغم كل ما ارتكبوه من مجازر ودعايات وتكفير وتأليب وقمع وتشريد.

بل على العكس؛ فكلما ازدادت الهجمات الدعائية والفتاوى التكفيرية والقمع الميداني ضد مذهب أهل البيت، ازدادت ردود أفعال الشيعة قوّة ورصانة وتأثيراً وعمقاً. وقبل كل ذلك؛ فإن التشيّع هو إسلام رسول الله، وتفسير الذِّكر المحفوظ من الله، وإرث أئمة الهدى، والعقيدة المعجونة بتكوين الشيعة ودمائهم وجهدهم وجهادهم وكدحهم.

أذكر لك بعض المؤشرات لتتأملها جيداً، وترى هل يسمح الشيعة بأن يمسّ الخصوم مذهب آل البيت؟ وهل الشيعة قاعدون وصامتون إزاء الدفاع عن المذهب ونشره وإيصال صوت العترة إلى كل شبر في العالم؟

1- قبل العام 1979 كان مراجع الدين الشيعة في إيران والعراق يعيشون في ظل القمع والتهديد والحصار، واليوم هم قادة المجتمع والأمة، وفتاواهم تزلزل الأرض من تحت أقدام الخصوم والأعداء، وصوتهم يصل بقوة إلى كل بقعة من بقاع الأرض.

2- قبل العام 1979 كان عدد الشيعة أقل من (200) مليون نسمة، واليوم يزيد عددهم على (400) مليون، بفضل المدّ والاستقطاب والانتشار السريع في كل بقاع العالم، وبفضل مواقفهم المبدئية والدعوة بغير لسان.

3- قبل العام 1979 كان الشيعة يعيشون على الهامش محلياً وإقليمياً ودولياً، واليوم هم أحد أكبر الفاعلين الإقليميين والدوليين، ويتحكّمون في قرار أربع دول: إيران، العراق، لبنان واليمن.

4- قبل العام 1979 كان للشيعة (14) حوزة علمية ومؤسسة دينية تعليمية فاعلة، واليوم تزيد مؤسساتهم الحوزوية العلمية والدينية على (300) حوزة ومؤسسة منتشرة في كل أنحاء العالم، وبلغ عدد فقهائها وأساتذتها وطلبتها عشرين ضعف ما كانوا عليه قبل خمسة وأربعين عاماً.

5- ارتفع عدد مراكز الدراسات الإسلامية والمؤسسات الثقافية والتبليغية والاستراتيجية والسياسية والاجتماعية، من حوالي (50) مؤسسة فقط قبل العام 1979، إلى أكثر من (5000) مؤسسة منتشرة في كل أنحاء العالم.

6- بلغ عدد الكتب التي يصدرها الشيعة في مجالات العلوم الإسلامية والفكر الإسلامي والتعريف بالتشيّع ونشر سيرة وفكر أهل البيت واستنهاض الشيعة، ما يقرب من (10) آلاف كتاب سنوياً، بعد أن كانت لا تتجاوز (500) كتاب سنوياً قبل العام 1979. وقد خرجت هذه الكتب من الطابع التقليدي إلى الطابع التجديدي والتأصيلي والاستنهاضي والتنويري والإصلاحي.

وهناك عشرات الأدلة الأخرى التي إن رغبتَ ذكرتُها لك؛ وكلّها تؤكد أن الشيعة والتشيع في صعود كبير متواصل فكراً وفقهاً وميداناً، وبكمٍّ ونوع يندر نظيرهما في التاريخ الشيعي برمّته، دون أن يؤثر على مسيرتهم الزاحفة بثقة بالله، تكفيري أو جزار أو متساقط أو مشكك.

أطرح لك هذه الحقائق لا لكي تشعر بالأمان وتسترخي، وإنما لتعي واقعك وتفخر به أولاً، ثم تتحزّم أكثر وتشحن طاقتك وتشحذ همّتك بشكل أكبر، وتستمر في التقدّم بقوة وثقة بالله وبنفسك؛ لأن معركة الشيعة اليوم هي من أجل المحافظة على مكاسبهم التاريخية الفكرية والميدانية، وليستمروا في التقدّم والعطاء، ولكي لا يعودوا إلى عصور التهميش والإقصاء والقمع والاستضعاف.

الدكتور علي المؤمن

كاتب ومفكر بالشأن الإسلامي والاجتماعي

زر الذهاب إلى الأعلى