
من غزة انطلقت الموجة، التي أعادت تعريف القوة والعدالة، وأسقطت القناع عن ضمير العالم
كتب / سلام عادل
في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، انكسر شيء في بنية العالم، حيث لم تكن عملية “طوفان الأقصى” مجرد هجوم فلسطيني على الاحتلال، بل زلزالاً أخلاقياً وسياسياً أعاد تعريف مفاهيم القوة والعدالة والتحالف، ففي غضون ساعات، سقطت أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”، واهتزّت منظومة القيم، التي احتكر الغرب من خلالها تفسير الخير والشر لعقود.
ومنذ ذلك اليوم، لم يعد السؤال عمّن يربح المعركة ميدانياً، بل عمّن يبقى واقفاً في اختبار الضمير، لكون المجزرة في غزة لم تُعرِّ إسرائيل وحدها، بل عرّت الغرب نفسه، حين وقف صامتاً أمام الإبادة، ومارس ازدواجية لا تخطئها عين، فالذين قدّموا أنفسهم حماةً لحقوق الإنسان، تواطؤوا مع القصف، بينما خرجت الشعوب في العواصم الغربية والعربية لتقول ما عجزت عنه حكوماتها، بكون العدالة لا تُقاس بالجغرافيا، بل بالإنسان.
ولهذا انكشفت هشاشة “النظام الدولي”، وتراجع نفوذ السردية الإسرائيلية في الإعلام، وتحوّل الشارع الغربي إلى مساحة مقاومة جديدة ترفض التواطؤ الأخلاقي، وفي السياق ذاته دخل الشرق الأوسط في مرحلة مراجعة عميقة لمعادلات الردع والتطبيع، بعدما أثبتت غزة أن القوة ليست سلاحاً فقط، بل إرادة ومعنى.
والمفارقة الكبرى أن المقاومة، رغم خسائرها الفادحة، كسبت ما هو أبقى من الأرض، وهو الوعي العالمي، الذي أعاد إحياء القضية الفلسطينية وجعلها رمزاً للإنسان المقهور، الذي لا يستسلم، وأصبح الدفاع عنها مقياساً لاختبار صدقية القيم الدولية، بينما انحسر الغرب في تناقضاته، وبدأت الهيمنة تتهاوى أمام صعود وعي كوني جديد يرى في غزة مقياس العدالة.
ومن هنا لا يعد “طوفان الأقصى” نهاية فصل، بل بداية عصر جديد، فمن تحت الركام خرجت حقيقة واضحة تؤكد أن الشعوب لا تُهزم حين تؤمن بعدالة قضيتها، وأن النصر في زمن الانكسار هو أن تظلّ إنساناً بينما يسقط العالم من حولك، وهو المسار الكربلائي الخالد، الذي آمن به الغزاويون، وبه سينتصرون.