مقالات

كلاوات) .. إلزابيث تسوركوف  الباحثة التي رسبت في علم الاستخبارات

سلام عادل

إن معاناة الأسرى الفلسطينيين لا تُقاس بمعاناة جاسوسةٍ ضبطها العراقيون وهي تمارس الخداع الأكاديمي، فمن أراد أن يُدين العراق، فليبدأ بإدانة كيانٍ مريضٍ وساديٍّ جعل من القسوة سياسة ومن الاحتلال هوية.

كتب / سلام عادل

في بلادٍ تعرف أن الظل له عيون، قررت “إسرائيلية” أن تدخل بغداد تحت عنوان “البحث الأكاديمي”، ولكنها نسيت أن العراق ليس مختبراً، بل ذاكرة من نارٍ لا تنام، وأن “رجال الظل” لا يكتبون منشوراتٍ على تويتر، بل يكتبون التقارير التي تُسقط العروش.

وتسوركوف، الباحثة، التي قالت إنها جاءت لدراسة “الحركات الشيعية”، كانت في الحقيقة تدرس شيئاً واحداً، وهو كيف تخترق إسرائيل بيئة المقاومة من الداخل، وكيف تشتري المعلومة بثمن “المقابلة البحثية”، ولكن المفارقة أن الذين ظنّوا أنفسهم موضوعاً للدراسة، جعلوها هي نفسها موضوعاً في درسٍ استخباري متقدّم عنوانه (كيف تراقب من يراقبك).

ومن المضحك أن تتصور إسرائيل أن بإمكانها زرع عيونٍ داخل بغداد بنفس الطريقة التي تزرع بها عملاءها في أفريقيا، فالعراق اليوم، رغم كل انكشافه السياسي، محروسٌ بعيونٍ تعرف الرائحة قبل الاسم، وتقرأ الخيانة في النَفَس قبل الفعل، ولهذا، حين تسربت أخبار “الجاسوسة الباحثة”، لم يكن أحدٌ في جهازٍ أمنيٍ عراقيٍّ متفاجئً، بل كان الجميع يراقب اللعبة منذ البداية.

ولقد أثبت (رجال الظل)، مرة أخرى، أنهم ليسوا فصيلاً عسكرياً فحسب، بل جهاز استخباراتي رديف يمتلك الحس الأمني العالي والقدرة على قراءة “الكوميديا الصهيونية” بلغة الاحتراف، ومن يروّج اليوم لمظلومية “تسوركوف” إنما يُظهر جهله بعلم المخابرات، حيث لا يوجد “مظلوم” يدخل دولةً معادية بجوازٍ مفضوح ويقول إنه باحث.

وهذا يكشف أن إسرائيل فشلت في اختراق العراق بالميدان، فحاولت اختراقه بالخطاب، وذلك حين أرسلت “باحثين” لا يحملون مسدسات، بل يحملون أسئلة مدروسة، وتحاول أن تصنع رأياً عاماً ضد المقاومة وضد الحشد وضد سيادة العراق، ولكن اللعبة كانت مكشوفة منذ أول سؤال.

والموساد في العراق اليوم ليس سوى ممثلٍ سيئٍ في مسرحيةٍ سيئة الإخراج، والمفارقة أن الجمهور العراقي بات أكثر وعياً من هؤلاء الممثلين، بعد أن انتهت “كلاوات تسوركوف” إلى درسٍ فاشل في علم الاستخبارات، واتضح لهم أن العراق لا يُخترق بالابتسامة، ولا يُستدرج إلى الحوار من بوابة البحث الأكاديمي.

وقبل أن تدين هذه الجاسوسة ما تسميه “سوء معاملة”، عليها أن تنظر في مرآة كيانها، الذي يحتجز آلاف الفلسطينيين في السجون، بلا تهمة ولا محاكمة، وهناك، في الزنازين المعتمة، يُجَرّد الإنسان من إنسانيته، ويُمنع من النوم أو العلاج أو لقاء أطفاله، بينما العالم يصمت، فأيّ وقاحةٍ فكرية تجعل “إسرائيلية” تتباكى على معاناتها في العراق، فيما أبناء فلسطين يذوبون ببطء خلف القضبان الحديدية، التي صنعها الكيان ؟.

ومن يظن أن العراق دولة بلا عيون، لا يعرف أن في هذا البلد من يراقب “من يراقبهم”، ومن يعتقد أن الإسرائيلي يمكن أن يزور بغداد بدعوة “الحرية الأكاديمية”، فليتخيل باحثاً عراقياً يزور تل أبيب من دون مراقبة الشاباك لإجراء مقابلات مع الحاخامات !، فهذه ليست “حرية بحثية”، بل “كلاوات استخباراتية”، والعراق، رغم جراحه، ما زال أرضاً تفضح من يتسلل إليها.. وهو درس لمن يدرس علم الاستخبارات ويرسب به .. مع الملاحظة أن حكومة نتنياهو لم تنف علاقة تسوركوف بالموساد، فيما نفت روسيا مواطنتها الروسية.

زر الذهاب إلى الأعلى