
منذ سنوات ونحن نشهد على شاشات السوشيال ميديا ظهور مجموعات صغيرة تبيع نفسها باعتبارها “رأي عام”، لكنها في الواقع مجرد “عصابة رأي عام”
كتب / سلام عادل
هذه المجموعات لا تصنع خطاباً ولا تبني وعياً، بل تعيش على الابتزاز وتقتات على الأجور، تعمل بالقطعة لصالح الممول والمال السياسي، بداياتها تعود إلى عام 2014، حين أُطلقت مشاريع مشبوهة تحت عنوان “المؤثرين” و”المواطن الصحفي”، بتمويل خارجي عبر ما يسمى (معهد صحافة الحرب والسلام)، هناك، وُضعت البذرة الأولى: تدريبات سريعة، منح مالية، ومدرّبون خبثاء، والنتيجة: صناعة “نجوم” مزيفين يجيدون الضوضاء لا الإعلام.
ولكن الصورة تغيّرت تماماً في الفترة الأخيرة، فحين دخلتُ شخصياً في مواجهة مفتوحة معهم، انكشف عجزهم بسرعة، لا أتكلم من فراغ؛ بل من واقع خبرة مهنية طويلة، وشهادات تخصصية، ومهارات متعددة جمعت بين الإعلام والفنون الجميلة والتحليل السياسي والاجتماعي، كل هذا جعلني أمتلك ما لا يملكونه: القدرة على صناعة خطاب مؤثر، ورأي عام حقيقي، يتجاوز حدود الضوضاء إلى التأثير الفعلي.
لقد واجهتهم بوعي وسخرية، بضربات متتالية أفقدتهم القدرة على المبادرة، والنتيجة واضحة اليوم: لم يعودوا صُنّاع رأي، بل تحوّلوا إلى “لواحيگ” يلهثون خلف ما أنشره، أكتب فكرة، فيهرعون إلى مهاجمتها، أطلق تحليلاً، فيسارعون إلى معاكسته، أطلق سخرية، فيتحولون إلى مهرجين يعيدون إنتاجها بضعف وهزال.
الجمهور التقط الفارق بسرعة، الناس باتوا يميزون بين صوت يمتلك تجربة وأدوات حقيقية، وبين أصوات مضطربة بلا مضمون، لقد صاروا يعرفون أن الرأي العام لا يُصنع بالمنح ولا يُشترى بالترند، بل يبنى عبر المصداقية والخبرة والتواصل مع قضايا الناس، ومن هنا جاءت المفارقة: نحن من يضع الإيقاع، وهم الذين يرقصون مرتبكين على نغمة لا يفهمونها.
لم أنتصر عليهم بالصوت العالي أو الشتائم، بل بامتلاك المبادرة، المبادرة هي كلمة السر، فنحن من يحدد الموضوع، ونرسم زاوية النقاش، ونفتح الطريق، بينما هم لا يملكون سوى اللحاق بنا، إنهم كظلٍّ متأخر دائماً عن أصله، لقد انقلبت المعادلة: لم يعودوا هم من يصنعون الترند، بل صار ترندنا هو غذاؤهم اليومي.
والمفارقة الأكثر طرافة أن بعضهم ما زال يعتقد أنه قادر على تحريك الرأي العام، ولكن الحقيقة أن تأثيرهم اليوم لا يتجاوز حدود غرف مغلقة أو صفحات مدفوعة، أما التأثير الحقيقي، فقد خرج من أيديهم حين اصطدموا بشخص يمتلك رؤية أوسع وأدوات أعمق، هم تجار ضوضاء، ونحن أصحاب مشروع إعلامي وفكري، هم أصوات للإيجار، ونحن صوت يملك جذوراً وتجربة.
لهذا أقول لهم بوضوح: انتهت اللعبة، أنتم مجرد صدى، ونحن الصوت الأصلي، أنتم لواحيگ ترند، ونحن ملوك المبادرة، والتاريخ لا يكتب عن الصدى، بل يكتب عن الصوت الذي يصنع المعنى.
الرأي العام الحقيقي ليس هاشتاغاً مدفوعاً، ولا ضوضاء مصطنعة، ولا صراخاً ممولاً، الرأي العام يولَد من وجع الناس، من تطلعاتهم، من واقعهم، من أصواتهم الصادقة، وهذا ما نفعله في إعلامنا الوطني العراقي، لذلك سقطتم أنتم، وصعدنا نحن إلى صدر المشهد العراقي، والفرق سيظل واضحاً: نحن من يصنع الرأي العام، وأنتم مجرد لواحيگ في آخر السطر.