الضرائب غير العادلة: نظام يخذل فقراءه ويصمت أمام أصحاب الملايين …

تقترح أستاذة الاقتصاد الدولي، سهام يوسف، إعفاء شريحة الفقراء من رسوم الخدمات العامة مقابل تحسين جودتها المقدمة، وإقرار ضرائب تصاعدية على الدخل والثروة (أي زيادة نسبة الضريبة مع زيادة مستوى الدخل)، بدل ما تراه “انزلاقاً” للجهاز الضريبي نحو فرض جباية “عشوائية” و”غير عادلة” بالنسبة للفقراء مقارنة بما يدفعه الأغنياء، الأمر الذي يُحمّل الطبقتين الوسطى والفقيرة العبء الأكبر بينما لا يشكل أصحاب الدخول ورؤوس الأموال الكبيرة أي مساهمة، حيث تفرض الدولة نسبة 15% على الدخل بشكل متساوٍ على الجميع، وتقول الخبيرة إنه برغم الاختلال الكبير في فرض الضريبة، غير أن ذلك لم ينعكس إيجابياً على أي من القطاعات الأساسية، كالتعليم والصحة والخدمات، إذ لم تؤشر أي فوارق ملحوظة في جودة خدمات المستشفيات والمدارس والمؤسسات العامة، حتى مع فرض رسوم إجبارية إضافية مؤخراً، ما يعني غياب فاعلية الضريبة كأداة لخدمة المجتمع، كما في الدول المتقدمة، وتحولها الى أداة لسد العجز المالي للموازنة فقط.
مقال سهام يوسف:
تُعد الضرائب أحد أهم أدوات السياسة المالية في أي دولة، ووفق النظرية الاقتصادية الكينزية والنيوليبرالية على حد سواء، لا يُفترض أن تكون الضرائب مجرد مصدر لتمويل الإنفاق الحكومي، بل أداة فعالة لإعادة توزيع الدخل، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوجيه السلوك الاقتصادي. لكن، هل هذا ما يحدث في العراق سنة 2025؟ الواقع يشير إلى صورة مغايرة، حيث بات المواطن العراقي يشعر أن الضرائب والرسوم المفروضة عليه أصبحت عبئًا، وليست وسيلة لتنمية اقتصاده أو تحسين خدماته.
تتعدد أهداف الضرائب، منها تمويل الإنفاق العام كالأمن والتعليم والصحة والبنى التحتية، وإعادة توزيع الدخل من خلال فرض ضرائب تصاعدية على الأغنياء واستخدام العوائد لتمويل برامج دعم للفقراء، بالإضافة إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي بتخفيف التضخم أو تنشيط الاقتصاد حسب الحالة، وتصحيح الفشل السوقي كفرض ضرائب على التلوث أو السلع الضارة. إلا أن هذه المبادئ غالبًا ما تفقد تأثيرها حين تتحول الدولة إلى “دولة جباية” لا “دولة خدمة”.
في عام 2025، اتخذت الحكومة العراقية سلسلة من الإجراءات المالية رفعت من معدلات الجباية على المواطنين دون أن تقابلها خدمات ملموسة أو إعادة توزيع للدخل. من أبرز هذه الإجراءات زيادة رسوم الخدمات الأساسية مثل إضافة مبلغ ثابت قدره 2,000 دينار على فواتير الماء والكهرباء تحت بند “أجور خدمة إدارية”، وفرض رسوم صحية تتراوح بين 5,000 إلى 15,000 دينار على مرافقي المرضى في المستشفيات الحكومية، بالإضافة إلى ارتفاع الرسوم القضائية والإدارية لإصدار الوثائق الرسمية من 1,000 إلى ما بين 10,000 و20,000 دينار.
أما على صعيد الضرائب المباشرة، فهناك ضعف واضح في فرض الضرائب التصاعدية على الدخل والثروة، حيث لا تُفرض ضرائب فعالة على الأرباح العالية أو الأملاك الكبيرة أو الميراث. النظام العراقي يعتمد على نسبة موحدة تقريبًا (15%) على الرواتب التي تتجاوز حدًا معينًا، دون تطبيق نظام الشرائح المتدرج كما هو معمول به في الأنظمة الضريبية التصاعدية في دول العالم، مما يجعل الطبقة الوسطى والفقيرة تتحمل العبء الضريبي الأكبر بينما تبقى الدخول الكبيرة خارج نطاق المساهمة العادلة.
هذا الوضع يخلق خللًا واضحًا في النظام الضريبي العراقي، فغياب العدالة الضريبية يجعل الفقراء يدفعون نفس الرسوم التي يدفعها الأغنياء، ولا توجد برامج دعم اجتماعي فعالة ممولة من هذه الضرائب، كما أن مردود الإنفاق العام ضعيف فلا يرى المواطن تحسينًا حقيقيًا في البنى التحتية أو الخدمات الصحية والتعليمية. ضعف الشفافية في آلية توزيع إيرادات الجباية يزيد من انعدام الثقة بين المواطن والدولة.
في المقابل، تعتمد الدول المتقدمة على عوائد الضرائب كأداة رئيسية لخدمة المجتمع، حيث تُستخدم هذه الموارد في تمويل خدمات عامة عالية الجودة مثل التعليم المجاني في الدول الاسكندنافية، والرعاية الصحية الشاملة في كندا والمملكة المتحدة، والبنية التحتية المتطورة في ألمانيا واليابان. كما تستثمر هذه الدول في برامج حماية اجتماعية فعالة، كالتأمين ضد البطالة والتقاعد في السويد والنرويج، مما يعزز من تقليل الفوارق الاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة. هذا الاستخدام الأمثل للضرائب يخلق علاقة ثقة بين الدولة والمواطنين، حيث يشعر الأفراد أن مساهماتهم تُستثمر فعلاً في رفاههم وتحقيق العدالة الاجتماعية.
لذا، يفترض، إقرار ضرائب تصاعدية على الدخل والثروة، وإلغاء الضرائب غير المباشرة على الخدمات الأساسية للفقراء، مع تحسين كفاءة الإنفاق العام لتقديم خدمات ملموسة تقنع المواطن بدفع الضرائب. كما يجب تعزيز شفافية الجباية من خلال نشر بيانات شهرية عن الإيرادات الضريبية وأوجه إنفاقها، وربط الرسوم بمستوى الدخل، كأن تكون رسوم الوثائق مجانية لمن يقل دخله عن خط الفقر.
في الختام، ما يحصل في العراق، هو انزلاق نحو فرض ضرائب جباية عشوائية لا نظام ضريبي عادل كما تنص عليه المبادئ الاقتصادية الحديثة. وإذا استمرت الحكومة في استخدام الضرائب كحل سهل لسد العجز دون رؤية شاملة لإعادة توزيع الدخل وتحفيز النمو، فإن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية ستتفاقم في المدى المتوسط.