جاسم العميري يتجاوز على صلاحيات البرلمان الاتحادي وإقليم كردستان

د. عصام الشاوي

من المبادئ الدستورية المستقرة أنّ تشريع القوانين وتعديلها من الاختصاصات الحصرية لمجلس النواب، استنادًا إلى المادة (٦١/أولًا) من دستور جمهورية العراق لسنة ٢٠٠٥، التي حصرت تشريع القوانين الاتحادية بيد مجلس النواب. كما أوجبت المادة (٦٠) من الدستور أن تُقدَّم مشروعات القوانين من رئيس الجمهورية أو مجلس الوزراء، في حين تُقدَّم مقترحات القوانين من عشرة نواب أو من إحدى لجان المجلس المختصة. وبعد مناقشة هذه المشروعات أو المقترحات والتصويت عليها، تُصادَق من رئيس الجمهورية ولا تصبح نافذة إلا بعد نشرها في الجريدة الرسمية.

وعلى الرغم من وضوح هذه الأحكام، تجاوزت المحكمة الاتحادية، إبّان رئاسة جاسم العميري، هذا القيد الصريح وتدخلت تدخلًا سافرًا في اختصاصات مجلس النواب، وذلك بقرارها المرقم (١٠٢/اتحادية/٢٠٢٤) المؤرّخ ٢٠٢٤/٤/١٥، في الدعوى المقامة من القاضي المتقاعد عبد الرحمن سليمان علي، الذي طالب (بعد استقالته من المحكمة نفسها) باحتساب راتب تقاعدي تام، رغم عدم إكماله ثلاثين سنة خدمة قضائية فعلية.

وهنا تجدر الإشارة إلى الفرق بين الخدمة القضائية وهي المدة التي يقضيها الشخص في ممارسة وظيفة قضائية فعلية كقاضٍ أو عضو ادعاء عام، والخدمة العامة، وهي المدة التي يقضيها في وظائف غير قضائية ضمن مؤسسات الدولة.

وقد نصّت المادة (٣٥/رابعاً/أ/٤) من قانون التقاعد الموحّد رقم (٩) لسنة ٢٠١٤ المعدَّل على ما يأتي:

«يستحق القاضي أو عضو الادعاء العام أو خلفه راتباً تقاعدياً بنسبة (٨٠٪) من آخر راتب ومخصّصات تقاضاها في الخدمة عند إحالته إلى التقاعد في إحدى الحالات الآتية:

٤– إذا أُحيل إلى التقاعد بناءً على طلبه وكانت له خدمة في القضاء أو في الادعاء العام لا تقلّ عن ثلاثين سنة».

غير أنّ المحكمة الاتحادية، وبأسلوب يمسّ صميم الوظيفة التشريعية، قررت ما يأتي:

أولًا: حذف عبارة «في القضاء أو في الادعاء العام» الواردة في المادة (٣٥/رابعًا/أ/٤) من قانون التقاعد الموحد رقم (٩) لسنة ٢٠٢٤، واستبدلتها بالعبارة الآتية في الفقرة نفسها: «إذا أُحيل إلى التقاعد بناءً على طلبه وكانت له خدمة لا تقل عن ٣٠ سنة.»

تضمّن هذا الحكم تعديلًا مباشرًا للنص القانوني من خلال إلغاء شرط جوهري يتعلق بالخدمة القضائية، واستبداله بنص جديد لا أصل له في التشريع، مما يُعدّ تعدّيًا صريحًا على اختصاص مجلس النواب في تعديل القوانين، والغرض منه مجاملة عضو المحكمة المستقيل الذي لا تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها في المادة (٣٥/رابعًا/أ/٤) من قانون التقاعد الموحد رقم (٩) لسنة ٢٠٢٤.

إلّا أن محكمة التمييز الاتحادية، ممثّلة بالهيئة العامة فيها، بعد عرض النزاع القضائي عليها بموجب دعوى، تصدّت لهذا التجاوز الخطير، وأصدرت قرارها المرقم (٤/الهيئة العامة/٢٠٢٤) في ٢٠٢٤/٥/٢٩، الذي قضى بما يلي.

« اعتبار الحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية بالعدد (١٠٢/اتحادية/٢٠٢٤) في ٢٠٢٤/٤/١٥ معدومًا».

بهذا الحكم التاريخي، حافظت محكمة التمييز الاتحادية، وهي “أعلى هيئة قضائية” في العراق بموجب نص المادة (١٢) من قانون التنظيم القضائي، على سلامة الاختصاص التشريعي، ومنعت ما كان سيؤدي إلى احتساب كل خدمة عامة ضمن الخدمة القضائية، وهو ما كان سيشجّع القضاة على التقاعد المبكّر بكامل الامتيازات، ويُفضي إلى إفراغ مجلس القضاء الأعلى من قضاته.

ولم يقتصر تغوّل المحكمة الاتحادية على حدود التشريع، بل امتدّ ليشمل تجاوزًا واضحًا لصلاحيات سلطات إقليم كردستان، كما تجلّى في الدعوى المرقمة (٢١٢/اتحادية/٢٠٢٢)، المقامة من مجموعة من متقاعدي الإقليم، والذين طلبوا إلزام حكومة الإقليم بتطبيق قانون التقاعد الموحد رقم (٩) لسنة ٢٠١٤ النافذ في المركز، بدلًا من قانون التقاعد الموحد رقم (٢٧) لسنة ٢٠٠٦ النافذ في الإقليم.

ورغم أنّ الدستور أقرّ بشرعية الإقليم وحقّه في ممارسة سلطاته التشريعية والتنفيذية، بما لا يتعارض مع الدستور، ورغم أنّ تطبيق القوانين في الإقليم يُعدّ شأنًا داخليًا تنظّمه إرادة سلطاته المحلية، فإنّ المحكمة الاتحادية أصدرت بتاريخ ٢٠٢٢/١١/١٣ حكمًا خطيرًا لا سند له في الدستور أو القانون، تضمّن ما يأتي:

«١ – الحكم بعدم صحة تطبيق قانون التقاعد الموحد الملغى رقم (٢٧) لسنة ٢٠٠٦ من قِبَل المدعى عليهما: رئيس وزراء إقليم كردستان ووزير المالية والاقتصاد في الإقليم إضافةً لوظيفتيهما.

٢ – الحكم بإلزام المدعى عليهما بتطبيق قانون التقاعد الموحد رقم (٩) لسنة ٢٠١٤ المعدّل».

ويُلاحظ هنا أن المحكمة، وبحسب اختصاصها المنصوص عليه في الدستور وقانونها النافذ، لا يجوز لها إصدار فقرة في قرارها تتضمن عبارة (عدم صحة تطبيق قانون)، إذ إنّ اختصاصها يقتصر على البتّ في دستورية أو عدم دستورية النصوص القانونية، استنادًا إلى الأسباب التي تتوصل إليها. كما لا تملك المحكمة صلاحية استخدام مصطلح (إلزام) حكومة الإقليم بتطبيق قانون معيّن دون غيره.

ويمثّل هذا الحكم تجاوزًا خطيرًا على خصوصية النظام الإداري والمالي لإقليم كردستان، وتغوّلًا على صلاحيات برلمانه وحكومته

زر الذهاب إلى الأعلى