مقالات

ترامب ونظرية الرجل المجنون والعراق

بلال الناصري

مؤسس هذه النظرية Madman Theory الرئيس الأمريكي نيكسون يقول لمستشاره هالدمان ( أريد أن يعتقد الفيتناميون أنني مجنون وأنني قد أستخدم السلاح النووي في أي لحظة ، اذا ظنوا ذلك سيتراجعون)

كيسنجر فسرها قائلا (الفكرة هي أن تقنع الخصم بأنك غير متوازن بما يكفي لتفعل أي شيء حتى لو كان ضد مصلحتك فيفضل هو التراجع)

الفكرة ببساطة أن تظهر للخصم أقل عقلانية مما أنت عليه في الواقع بحيث يفضل أن يمنحك ما تريد خوفا من أن تلقي بالعالم في أتون الكارثة.

ترامب لم يقرأ نيكسون بعمق لكنه مارس الغريزة نفسها فمنذ يومه الأول لم يتحدث بلغة رجل الدولة الكلاسيكي وإنما بلغة التاجر الذي يلوح بالإفلاس أو المغامرة ليحصل على الصفقة.

مارس هذا السلوك في الداخل الأميركي كما في الخارج ، مارسه مع الصين في الحرب التجارية و مع إيران في الانسحاب من الاتفاق النووي و اغتيال سليماني ومع أوروبا في ملف الناتو والرسوم الجمركية وكانت رسالته الدائمة (أنا مختلف) .. (أنا غير قابل للتنبؤ ) .. (أنا لا أخضع لمنطق التقليد )

ترامب نفسه في أكثر من مناسبة لمح بهذا فقال ( *أفضل طريقة للتفاوض هي أن تترك الناس في حيرة هل سيفعلها أم لا)

نظرية الرجل المجنون قد تمنح صاحبها نفوذا مؤقتا لكنها تترك على الطاولة ألغاما قابلة للانفجار في أي لحظة ، يقول سكوت ساغان (*خطر هذه النظرية أنها تفترض عقلانية الخصم بينما إذا كان الخصم هو الآخر مستعد للمخاطرة فالنتيجة قد تكون كارثية)

كما أن الجنون السياسي لا يكفي وحده لفرض المعادلات بل قد يتحول إلى مسرحية مكشوفة إذا أدرك الخصم أنك لا تملك الشجاعة للمضي إلى آخر الطريق كما في حرب ال 12 يوم التي فرضت على ايران .

في الساحة العراقية يحاول المطبلون بمختلف اتجاهاتهم بالإعلان عن نبوءة مفادها .. ان الرجل المجنون قد عزم على اسقاط النظام السياسي وان حكومة ترأسها الاغلبية الشيعية لن يكون لها وجود بعد الان وبالغ بعضهم بأن جولاني العراق قد تم إعداده وتجهيزه ، والآلة الدعائية عملت ليل نهار على تصوير الساحة العراقية كأنها جاهزة للانهيار وأن سقوطها مسألة وقت .

لكن النظرية أخطأت الهدف فالعراق رغم جراحه العميقة لم ينكسر وقواه الاجتماعية حافظت على مقدار من التماسك ووجود المرجعية الدينية التي ما زالت تتابع بحكمة وتوجه بحذر تؤكد انها صمام الامان الاول .. فلا جولاني سيحكم العراق ولا داعش من جديد ولا تغيير للنظام السياسي.

نعم هناك عمل جاد لتغيير مرتكزات الثقل السياسي وايجاد معادلة جديدة كما حصل في مشروع تشرين 2019 والذي فشل فشلا ذريعاً ولكن يبقى هذا العمل ضمن اطار اللعبة السياسية الامريكية التقليدية والتدابير الناعمة .

والخلاصة أن نظرية الرجل المجنون في العراق والتهديد بجنون ترامب لم تكن سوى لعبة صوت وضجيج ركبها بعض الحالمون بعودة عقارب الساعة الى الوراء وستخيب امالهم سريعا كما خابت امال رضا بهلوي .

زر الذهاب إلى الأعلى