
المشكلة تبدأ حين ينشغل المسؤول بكيفية تجديد ولايته، فيضطر للتحالف مع الفاسدين، أو التخابر مع الخارج، أو التساهل مع المستثمرين المتلاعبين بمصالح البلد.
كتب / سلام عادل
حين ننظر إلى تجربة الحكم في العراق منذ 2003 وحتى اليوم، نكتشف أن المعضلة لم تكن فقط في الأشخاص أو الكتل، بل في طبيعة السلطة ذاتها، السلطة حين تتحول إلى غاية بحد ذاتها، تصبح عبئاً على الدولة، وتدفع المسؤول إلى تقديم التنازلات، الداخلية والخارجية، حفاظاً على بقائه في موقعه لدورة ثانية أو ثالثة.
هذا ما يجعلني أطرح بقوة فكرة المشروع الوطني – رؤية بلا ولاية ثانية، أي أن يتعامل رئيس الوزراء مع منصبه كأمانة وطنية تُؤدَّى لمرة واحدة، لا كمشروع شخصي يستمر سنوات طويلة.
ولاية واحدة تكفي إذا كان القائد صادقاً وصاحب مشروع واضح، في أربع سنوات يمكن إصلاح الاقتصاد، استعادة السيادة، فرض القانون، محاربة الفساد، ووضع أسس نظام سياسي رشيد، ولكن المشكلة تبدأ حين ينشغل المسؤول بكيفية تجديد ولايته، فيضطر للتحالف مع الفاسدين، أو التخابر مع الخارج، أو التساهل مع المستثمرين المتلاعبين بمصالح البلد.
إن أخطر ما يُصيب المسؤول هو “مرض الولاية الثانية”، هذا المرض حوّل السلطة في كثير من دول العالم إلى ساحة مساومات، بدل أن تبقى موقعاً للإصلاح وخدمة الناس.
المشروع الوطني الذي أدعو إليه يقوم على ثلاث ركائز:
1. ولاية واحدة بلا تكرار: رئيس وزراء يأتي وهو يعرف مسبقاً أنه لن يترشح مرة أخرى، وبالتالي يضع كل ثقله في الإنجاز، لا في حسابات البقاء.
2. اليد النظيفة: لا بد من شخصية لم تتلوث بالمال العام ولم تستفد من المناصب السابقة، كي تكون قراراتها حرة من قيود الصفقات والمحسوبيات.
3. الاستقلال الوطني: رئيس وزراء لا يتلقى أوامره من الخارج ولا يبيع قرارات الدولة مقابل رضا قوى إقليمية أو دولية.
بهذه الركائز الثلاث، يمكن أن يبدأ العراق مرحلة جديدة، مرحلة “المنصب كأمانة” لا “كغنيمة”، والرؤية بلا ولاية ثانية ليست مجرد تنظير، بل هي استجابة لصرخة الناس الذين سئموا من تكرار الوجوه، وصرخة المرجعية التي طالبت مراراً بأن تبادر النخبة الوطنية إلى تحمّل المسؤولية.
إن بناء العراق لا يحتاج إلى عشرين سنة في المنصب، بل إلى إرادة صادقة في ولاية واحدة تكفي لتثبيت القواعد، والتاريخ سيحكم على من ينجز في أربع سنوات أكثر من من بقي ثماني سنوات وهو يتلاعب بمصير الدولة.
المشروع الوطني بهذا المعنى ليس مشروع شخص أو حزب، بل مشروع وطني مفتوح أمام كل القوى، التي تؤمن أن العراق لا يُدار بعقلية “التمديد” بل بعقلية “الإنجاز”.