
أسعارٌ ترتفع كالصاروخ، وموديلاتٌ عادية أصبحت حلماً بعيد المنال، فيما يعيش السوق واحدة من أكثر مراحله اضطراباً منذ سنوات.
لكن ما الذي يحدث فعلاً؟ ولماذا يبدو أن سعر السيارة في بغداد أو أربيل أصبح رهينة لعوامل أكبر من قدرة السوق المحلي على السيطرة عليها؟
الأسباب متعددة أذكر لكم أبرزها:
المتهم الأول… الدولار
لا يمكن الحديث عن أي قفزة في الأسعار دون المرور بمحطة الدولار. فالتقلبات الحادة في سعر الصرف بين الدينار والدولار خلال العامين الأخيرين أربكت كل شيء، من كلفة الاستيراد إلى تسعير المبيعات المحلية.
يقول أحد التجار في المنطقة الصناعية بالكرادة: “اليوم نشتري بالدولار، نخزن بالدينار، ونبيع بسعر متحرك لا يمكن التنبؤ به.”
ومع أن الحكومة حاولت عبر إجراءات البنك المركزي كبح التذبذب، إلا أن شح التحويلات الخارجية وتقييد المنصات المصرفية الرسمية جعل المستوردين يلجأون إلى السوق الموازية، ما رفع الأسعار فوراً.
الكلفة الخفية …الجمارك والضرائب
لا يدرك الكثير من المستهلكين أن السيارة التي تصل إلى ميناء أم قصر تكون قد دفعت سلسلة من الرسوم قبل أن تصل إلى يد المشتري.
الجمارك، رسوم الفحص والتصاريح البيئية، ثم تكلفة النقل الداخلي كلها تتراكم لتضيف أحياناً ما بين 15 إلى 25% فوق السعر الأصلي.
وبينما تتأخر بعض المعاملات الجمركية لأيام بسبب التعقيدات الإدارية، ينعكس ذلك على المعروض في السوق، فيرتفع السعر أكثر مع كل تأخير.
العرض والطلب… معادلة مختلة
في الوقت الذي ارتفعت فيه رغبة العراقيين في اقتناء سيارات جديدة، خصوصاً بعد موجة السيارات الصينية المتنوعة، لم يرتفع حجم الاستيراد بالوتيرة نفسها.
فالقيود على التحويلات، وارتفاع تكاليف الشحن العالمية، وحتى نقص الشحنات من الشركات الأم بعد أزمة أشباه الموصلات، كلها قلّلت من المعروض.
وهكذا، وجد التجار أنفسهم أمام معادلة مربحة: طلب مرتفع مقابل عرض محدود، والنتيجة أسعار تخرج عن السيطرة.
– المستوردون الكبار… لاعبون في الكواليس
لا يمكن تجاهل الدور الذي يلعبه كبار المستوردين، الذين باتوا يتحكمون في نوعية الكميات الداخلة إلى السوق. بعضهم يجمّد جزءاً من البضائع بانتظار ارتفاع الدولار أكثر، مما يخلق “أزمة مصطنعة” ترفع الأسعار بلا مبرر حقيقي.
وفي ظل غياب آليات رقابة فعالة، تحوّل السوق إلى ميدان مفتوح للمضاربة، حيث يبيع البعض “على الورق” دون تسليم فعلي، مما يزيد الفوضى.
وأخيراً… من يدفع الثمن؟
طبعاً ومن دون تفكير.. النتيجة النهائية يدفعها المواطن.
فالسائق الذي كان يحلم بسيارة اقتصادية، وجد نفسه أمام أسعار تقترب من ضعف ما كانت عليه قبل ثلاث سنوات.
بدوره فقد السوق جزءاً من توازنه: سيارات جديدة بأسعار خيالية، ومستعملة بأسعار لا تقل جنوناً.
وفي غياب حلول جذرية مثل إصلاح النظام الجمركي، وتثبيت سعر الصرف، وتنظيم سوق الاستيراد ستبقى عجلة الأسعار في دورانٍ محموم، يدور فيها المستهلك وحده في حلقةٍ لا تنتهي.



