
يطلّ العراق اليوم على أعتاب محطةٍ وطنيَّةٍ فارقةٍ، تُؤكّد أنَّ إرادة الشعب هي القوّة الحقيقيَّة التي تُعيد صياغة المستقبل. لقد شهدنا في التصويت الخاصِّ أمس، كيف وضع المواطن من أبناء القوّات المسلّحة، يده على نبض وطنه، وكيف أدار مسؤوليَّة اختياره بدقةٍ ووعي، معلناً للعالم أنَّ الديمقراطيَّة ما هي إلّا حقيقةٌ حيَّةٌ تتجسَّد في كلِّ صوت، وفي كلِّ خيار، وفي كلِّ مشاركةٍ واعية.
في هذا اليوم، تُبرهن التجربة الانتخابيَّة أنَّ العراق أصبح دولةً يُقرِّر شعبها مصيره بحريَّةٍ كاملة، بعيداً عن أيِّ ضغوطٍ أو تهديدات. فالديمقراطيَّة فضاءٌ حيٌّ تتجلّى فيه المواطنة، وتُصان فيه الحقوق، ويُعزّز فيه التعدّد والاختلاف، ويُكرَّم فيه كلُّ صوت. كما أنَّ المقاطعة الواعية، حين تكون خياراً مدروساً، ليستْ رفضاً للوطن أو للتجربة الديمقراطيَّة، بل رسالة وعيٍ ومسؤوليَّة، تعكس إدراك المواطن قيمة صوته وحريَّة قراره، وتُؤكّد أنَّ المشاركة بأشكالها المختلفة جزءٌ أصيلٌ من بناء الدولة الحديثة.
إنَّ الديمقراطيَّة السادسة في تاريخ العراق الحديث، التي يتهيّأ الشعب من خلالها لخوض الاقتراع العام، تحمل روح التجربة الأولى، وتُؤكّد أنَّ كلَّ صوتٍ وكلَّ اختيارٍ واعٍ يُسهم في بناء وطنٍ يحترم مواطنيه ويصون حقوقهم. في هذا اليوم، يُصبح المواطن درع الوطن وسنده، والكلمة الحرّة سلاحه الأصدق ضدَّ التطرّف واليأس، ومصدر قوّته الحقيقيَّة في مواجهة التحدّيات.
وفي لحظاتٍ كهذه، يتضح بجلاءٍ أنَّ المشاركة السياسيَّة تُمثل سلوكاً حضاريّاً يعكس احترام التعدديَّة، والقدرة على الحوار، وقبول الرأي الآخر. الشعب العراقيُّ، بأفعاله، يُثبت أنَّ الطريق إلى دولةٍ عادلةٍ ومستقرَّةٍ لا يمرّ إلّا عبر وعي المواطن وإيمانه بأنَّ صوته هو الأداة الأقوى للتغيير والبناء، وأنَّ الحريَّة والإرادة لا تُكتسب إلّا بالمسؤوليَّة والمشاركة الواعية.
هكذا يُرسم المشهد.. لا للصواريخ، ولا للغة القتل، ولا لخطابات الرفض المطلق، بل نعم للحريَّة، نعم للانتخاب، حيث يظلّ الصندوق هو الحكم الفصل ويُعلن إرادة الشعب. فلنستقبل الفجر الجديد وعيوننا متجهةٌ نحو صناديق الاقتراع، وقلوبنا ممتلئةٌ بالثقة، وعقولنا مدركةٌ أنَّ العراق أكبر وأسمى من أيِّ خلاف، وأنَّ إرادة شعبه الحرَّة، هي القوّة الحقيقيَّة التي تضمن بناء المستقبل وتحقيق العدالة والاستقرار وصون وطنٍ يليق بأجياله المقبلة.



