
المرجع الديني عند الشيعة، بطبيعة وظيفته وصلاحياته الشرعية، هو فوق القوميات والأوطان والأنظمة السياسية، بمعنى أنه لا يمكن أن يكون تابعاً لوطن وقومية ودولة ونظام سياسي، لأنه مرجع الشيعة في كل العالم، ويمنعه موقعه أن يكون منحازاً بأي شكل لوطن وقومية ونظام سياسي وجماعة. وهكذا بالنسبة للفتوى والحكم الشرعي؛ فالفتوى (عند الشيعة) عابرة للأوطان والقوميات، وتنتمي إلى النص والاجتهاد وليس الى الجغرافيا والدول والأنظمة السياسية.
ومفهوم المرجعية الوطنية والقومية؛ هو مفهوم عنصري متهافت يتعارض مع بديهيات الإسلام، ومع مرتكزات النظام الاجتماعي الديني الشيعي، ومع الثقافة الشيعية بشكل خاص. وقد كان حزب البعث وراء اختراع المفهوم والمبادر إلى الترويج له في العراق ولبنان والبلدان الخليجية، انسجاماً مع ثقافته العنصرية وأهدافه في استلاب الشخصية المسلمة الشيعية، ثم تبعه في الترويج للمفهوم بعض التيارات القومية والانعزالية والحكومية.
هذا القيد القومي والوطني والحكومي، مطبّق في المؤسسة الدينية السنية منذ نشوئها؛ إذ أن فتوى الفقيه السني في الشأن العام هي فتوى تنتمي إلى النظام السياسي للبلد الذي يعيش فيه ويحمل جنسيته، أي أنها فتاوى مسيسة تشرعن للنظام السياسي ممارساته، انطلاقاً من طبيعة وظيفة المفتي السني، كونه يُعيّن ويُعزل من قبل الحاكم السياسي، بل يمكن للحاكم السني محاكمة مفتي الدولة بتهمة الخيانة وإعدامه، فيما لو أفتى بما يتعارض وسياسات الحاكم.
على خلاف المرجع الشيعي، الذي يفتي بما يراه متطابقاً مع الثوابت الشرعية ومصلحة الإسلام والمسلمين، وليس ما يتطابق مع مصلحة الحاكم والسلطة والنظام السياسي للبلد الذي يقيم فيه أو يحمل جنسيته، لأنه مستقل بالكامل في نظرته الدينية للموضوعات، ولا يمارس عملاً وظيفياً حكومياً.
وبالتالي؛ من الخطأ في مقاييس المنظومة العقيدية الشيعية، وصف المرجع الديني بالخيانة أو التمرد أو المعارضة، إذا أفتى بما يتعارض مع سياسات السلطة في البلد الذي يقيم فيه، خاصة إذا كان لا يعترف بهذه السلطة ونظامها السياسي، ويعارض سلوكياتها المتمردة على الدين. أي أن الذي يوصف بالتمرد والخيانة هنا هو الحاكم والنظام السياسي، وليس المرجع الشيعي؛ لأن معيار الاستقامة وصحة الموقف هو المرجع الديني وليس النظام السياسي وحاكمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ