
في خطوة مفاجئة قلبت بعض الثوابت الإقليمية، وجه أمين عام حزب الله، نعيم قاسم، دعوة مباشرة إلى المملكة العربية السعودية لفتح صفحة جديدة من الحوار السياسي، مشدداً على ثلاثة محاور رئيسية: اعتبار إسرائيل العدو الأول، تجميد الخلافات السابقة، وتأسيس آلية حوار تكفل المصالح المشتركة ومواجهة المخاطر الاستراتيجية.
هذه الدعوة تأتي في توقيت دقيق للغاية، بعد الهجوم الإسرائيلي على الدوحة ولقاء ولي العهد السعودي مع علي لارجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، لتضع المنطقة أمام إشارات متعددة المستوى من التحولات في خطاب المقاومة والردع.
حزب الله: مرونة تكتيكية أم بداية تفاهم إقليمي؟
تصريح نعيم قاسم يمثل تحولاً نوعياً في لغة الحزب تجاه السعودية، لكنه ليس بالضرورة تغييراً جوهرياً في مبادئه الاستراتيجية. تركيز الخطاب على إسرائيل كعدو رئيسي يعكس قراءة الحزب والتحالفات الإيرانية لأولوية تهديدات الأمن الإقليمي، وربما محاولة لإفساح هامش سعودي لتخفيف الضغط على لبنان في ملف نزع سلاح الحزب، دون الحاجة لإعلان توافق رسمي بين الطرفين.
كما يمكن تفسير هذه الخطوة ضمن سياق التهدئة السعودية الإيرانية المستمرة منذ 2023، والتي أعاد اللقاء الأخير بين ولي العهد وعلي لارجاني تحريكها، بما يفتح مجالاً لتقليل الاحتكاك المباشر مع حزب الله في لبنان، وتحويل التركيز نحو التصعيد الإسرائيلي.
ايران تلوح بالقنبلة النووية
في وقت متزامن، صرح برلمانيون إيرانيون حول قدرة إيران على تصنيع السلاح النووي، مؤكدين أنها لم تصنعه بعد، لكنها تمتلك القدرة على رفع التخصيب إلى مستويات عسكرية بسرعة إذا اقتضت الحاجة. هذا التصريح يمثل تحركاً استراتيجياً إيرانياً لفرض معادلة الردع في مواجهة إسرائيل، وللتأكيد على أن طهران لم تعد تخشى الضربات المفاجئة، خصوصاً بعد ضرب منشآت نطنز وفوردو، ما يعكس تقييماً جديداً للمخاطر الإسرائيلية مقابل المكاسب الاستراتيجية الإيرانية.
السعودية تحت المظلة النووية الباكستانية
في السياق نفسه، أكد وزير الدفاع الباكستاني محمد أصف أن السعودية باتت فعلياً تحت مظلة الردع النووي الباكستاني، مع إمكانية توسيع هذه المظلة لتشمل دول الخليج الأخرى. هذه المظلة، التي تم الترتيب لها عبر اتفاق الدفاع المشترك الموقع في سبتمبر 2025، تجعل السعودية دولة نووية وظيفياً، قادرة على تحويل أي تهديد استراتيجي ضدها إلى مخاطرة نووية مؤكدة، في خطوة تعد تغييراً نوعياً في معادلات القوة الإقليمية، خصوصاً في مواجهة العدوان الإسرائيلي بعد ضرب الدوحة.
الإمارات: دعم الهند رسالة إلى السعودية وباكستان
في المقابل، قامت الإمارات بتوقيع اتفاق عسكري مع الهند بعد يوم واحد فقط من إعلان السعودية اتفاقها الدفاعي مع باكستان، في خطوة تحمل رسائل مزدوجة:
1. تحدي مباشر للهيمنة السعودية في المنطقة، وتقويض أي مشروع أمني خليجي موحد.
2. تأكيد دعمها لاستراتيجية إسرائيل الإقليمية عبر تقوية شراكة عسكرية مع الهند، الخصم التقليدي لباكستان.
هذا التوقيت يعكس استراتيجية الإمارات القائمة على التنافس المباشر مع السعودية ومحاولة تعزيز دورها كقوة مضخمة وظيفياً على حساب مركز الثقل السعودي في المنطقة، كما يتجلى في تصرفاتها في جزيرة سقطرى، حيث أطاحت بمحافظ الجزيرة بعد ظهوره مع قائد سعودي، مما يعكس محاولات منع أي سيطرة سعودية فعلية على نقاط استراتيجية بحرية.
قراءة استراتيجية للمشهد الاقليمي
تشهد المنطقة اليوم مرحلة جديدة من إعادة رسم خرائط القوة والتحالفات الاستراتيجية، حيث تتشابك مصالح ومؤثرات متعددة في شبكة ردع معقدة تتجاوز الثنائية التقليدية بين إسرائيل وإيران.
حزب الله: يظهر تحولات لغوية وسياسية دقيقة، تعكس تقديره لموازين القوى الإقليمية وتوجهه نحو تركيز جهوده على إسرائيل كعدو أساسي، مع الحفاظ على موقعه الداخلي في لبنان وعدم المساس بالثوابت الوطنية، ما يشير إلى مرونة تكتيكية متزامنة مع التغيرات الإقليمية.
إيران: تستثمر الاتفاق السعودي الباكستاني لتعزيز موقعها الإقليمي، في الوقت الذي تعلن فيه عن قدرتها على تصنيع السلاح النووي، رسالة استراتيجية مزدوجة مفادها أن طهران باتت شريكاً فعالاً في معادلة الردع الإقليمي، قادرة على حماية مصالحها وموازنة القوى ضد أي تهديد خارجي.
السعودية: من خلال المظلة النووية الباكستانية، دخلت المملكة مرحلة جديدة من الردع الاستراتيجي، ما يعيد توزيع المخاطر العسكرية في الخليج، ويضع أي مغامرة إسرائيلية تحت تكلفة عالية، مؤكداً موقع الرياض كمركز ثقل في شبكة الردع الإقليمية.
الإمارات: تراهن على شراكتها العسكرية مع الهند لمواجهة التحول السعودي، مستغلة ضعف التنسيق الخليجي لتعطيل أي مشروع أمني موحد، بما يعكس استراتيجية تقويضية، كما تهدف إلى تعزيز نفوذها النسبي على حساب الدور السعودي.