الاستحقاق الأصعب … سباق الزعامة بين عمالقة السياسة ورجل الدولة السيد المالكي ومابين نخبة اليوم … . السوداني والمندلاوي والعبودي
الانتخابات العراقية على الأبواب.. من يتصدَّر سباق رئاسة الوزراء؟

بقلم: أ.م .د. مهدي علي دويغر الكعبي
الثلاثاء ٢٣ أيلول ٢٠٢٥ رأي وتحليل
قراءة وتحليل
في فرص المرشحين الأبرز المالكي يتربّع والسوداني يثبت والمندلاوي يصعد والعبودي يخترق سيناريوهات تشكيل الحكومة القادمة هل نرى وجهاً جديداً أم عودة رجل الدولة المحنك؟
تكتسب الانتخابات النيابية العراقية المُزمَع إجراؤها هذا العام ٢٠٢٥ أهمية استثنائية لا بوصفها استحقاقاً دستورياً يُحدِّد مسار السلطات التشريعية والتنفيذية فحسب بل أيضاً لأنها تأتي في ظل ظروف سياسية واقتصادية بالغة التعقيد وتوازنات إقليمية دقيقة وما يضاعف من أهمية هذا الاستحقاق هو إعلان “الإطار التنسيقي” – وللمرة الأولى – عن أسماء مرشحين محتملين لرئاسة الوزراء الأمر الذي يُشير إلى تحوّل في أنماط التنافس الداخلي ويضع العاصمة بغداد في قلب الصراع السياسي المرتقب حسب ماتناقله وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
المقدمة …
تتجه الأنظار نحو بغداد حيث يترقب العراقيون انتخابات مجلس النواب ٢٠٢٥. هذه الانتخابات التي تفصلنا عنها مايقارب سبعين يوماً تطرح نفسها كواحد من أكثر الاستحقاقات إثارةً وتأثيراً على المستوى المحلي وسط سيناريوهات متشعبة وترتيبات متسارعة تضع البلاد على أعتاب مرحلة جديدة ويشهد المشهد الحالي تحولاً لافتاً تمثّل في الإعلان المُبكر والمفاجئ من قبل “الإطار التنسيقي” عن أسماء مرشحيه المحتملين لرئاسة الوزراء وفقاً لما تداولته منصات التواصل الاجتماعي وهذا أمرٌ لم يُعهد من قبل في المشهد السياسي العراقي حيث جرت العادة أن يخرج المرشح عن طريق التوافقات وليس الإعلان المباشر يضفي هذا التطوّر بُعداً جديداً على التنافس ويجعل التكهن بنتائج الانتخابات أمراً عسيراً في ظل إمكانية حدوث مفاجآت خلال الأشهر القليلة المقبلة قد تقلب موازين المعادلة ورغم أن الحسم لا يزال بعيداً إلا أن ملامح المنافسة بدأت تتضح شيئاً فشيئاً.
انتخابات ٢٠٢٥.. اختبارٌ للديمقراطية .
تُعَدُّ الانتخابات النيابية القادمة واحدة من أكثر الاستحقاقات إثارةً وحساسيةً منذ عام ٢٠٠٣. إنها انتخابات لا تقف عند حدود التنافس البرلماني بل تتعداه لتلامس مصير السلطة التنفيذية ورئاسة الوزراء في ظل بيئة سياسية متقلبة وكتل متصارعة وأصوات جماهيرية تتأرجح بين المقاطعة والمشاركة ينتظر أكثر من 150 حزباً وكتلة سياسية وما يزيد على 5000 مرشح ومرشحة الناخب العراقي الذي بات صوته مرهوناً بدرجة وعيه السياسي وثقافته الانتخابية لا بمجرد الانتماء المذهبي أو العشائري أو المناطقي فحسب إنها اختبار حقيقي للديمقراطية العراقية بين من يرى في المشاركة سبيلاً للتغيير عبر صندوق الاقتراع ومن يعتقد أن المقاطعة هي الطريق الوحيد لنزع الشرعية عن منظومة المحاصصة والفساد وفي كلا الموقفين لا يمكن إنكار أن الهدف واحد هو خدمة الوطن والمواطن وإن اختلفت الأدوات والوسائل.
المرشحون الأبرز … قراءة في المشهد .
١. نوري المالكي.. رجل الدولة وزعيم حزب الدعوة العائد يشير السيناريو الأكثر تداولاً حتى اللحظة إلى إمكانية عودة رجل الدولة المخضرم نوري المالكي الذي ما يزال يحظى بقاعدة جماهيرية متينة رغم محاولات داخلية وخارجية للتقليل من حضوره وشخصية المالكي التي تتسم باحترام الخصوم والقدرة على ضبط إيقاع الجماهير تجعله حتى الآن المرشح الأقوى في المشهد الانتخابي.
٢ . محمد شياع السوداني.. رجل الإعمار المقيّد .
أما محمد شياع السوداني فقد ارتبط اسمه بمشاريع الإعمار والتنمية لكنه واجه عقبات سياسية واتفاقات كبّلته عن تقديم ما كان يطمح إليه ورغم الإنجازات الملحوظة إلا أن حظوظه في التجديد تبدو أقل خاصة مع احتدام المنافسة داخل البيت الشيعي نفسه لكنّه يظل منافساً جدياً في المشهد .
٣ . محسن المندلاوي.. رجل البرلمان وصوت الطموح في المقابل يبرز اسم محسن المندلاوي نائب رئيس مجلس النواب الحالي الذي أثبت حضوره المفاجئ بين الكبار فقد نجح في إدارة البرلمان بشكل أظهره منافساً جدياً مما جعله رقماً صعباً في معادلة بغداد ومرشحاً يحسب له ألف حساب..
٤. المرشح الأكاديمي.. العبودي .
صوت التعليم العالي على خط موازٍ يطرح نموذج “التكنوقراط” الذي يستند إلى الشعبية الشبابية والطلابية
يبرز مرشح آخر قادم من وزارة التعليم العالي حيث نجح في كسب تعاطف الطلبة عبر مبادرات إنسانية وإدارية غير أن افتقاره لفريق وزاري قوي قلّص من فرصه في أن يكون رقماً وازناً أمام الكبار رغم المكانة العلمية والثقافية التي تمثلها الوزارة كنبض للعراق.
الإطار الدستوري والاستعدادات .
رغم ما يُثار من تكهنات حول إمكانية تأجيل الانتخابات فإن النصوص الدستورية واضحة مدة مجلس النواب أربع سنوات تبدأ من أول جلسة ويجب أن تُجرى الانتخابات في مواعيدها المحددة وهذا يعني أن صناديق الاقتراع ستفتح بعد نحو ٧٥ يوماً تقريباً ما يضع القوى السياسية أمام سباق مع الزمن وقد دخلت الأحزاب والقوى المختلفة مرحلة الاستنفار الداخلي فالاجتماعات لا تنقطع واللجان الحزبية تعمل على غربلة المرشحين خصوصاً بعد استبعادات طالت قيادات بارزة والهدف هو تحقيق توازن بين الكوادر المخضرمة والوجوه الشابة مع تعزيز حضور المرأة وتمثيل مختلف المحافظات.
بغداد.. ساحة المعركة الحاسمة .
تتجه كل الأنظار إلى دائرة بغداد حيث سيكون التنافس الأشد بين القوى السياسية الرئيسية على الفوز بالكتلة الأكبر التي ستحدد هوية رئيس الوزراء المقبل وما يميز هذه الانتخابات أن الإعلان المبكر عن المرشحين كسر قاعدة “التوافق المتأخر” وفتح الباب أمام مرحلة انتقالية جديدة قد تعيد ترتيب أوراق المشهد السياسي بأكمله.
التحديات والسيناريوهات المحتملة .
رغم وضوح النصوص الدستورية فإن العملية الانتخابية تواجه جملة تحديات أبرزها ..
١. التدخلات الخارجية ومحاولة توجيه المشهد السياسي العراقي.
٢. التوازنات الداخلية بين المكونات السياسية الرئيسية.
٣. الثقة الشعبية المتأرجحة بين الأمل في التغيير والشك في جدوى العملية الانتخابية.
أما السيناريو الأكثر ترجيحاً وفق المؤشرات الحالية فهو استمرار المنافسة الحادة بين الأقطاب التقليدية مع بروز وجوه جديدة لكن دون قدرة هذه الوجوه على قلب الموازين بشكل جذري ما لم تحدث مفاجآت كبرى في الأسابيع الأخيرة التي تسبق الاقتراع.
في النهاية …
لن تكون انتخابات ٢٠٢٥ مجرد استحقاق دستوري روتيني بل معركة سياسية كبرى ستحدد ملامح المرحلة المقبلة في العراق فالتنافس بين المالكي والمندلاوي والسوداني والمرشح الأكاديمي يعكس تنوع المشهد وتعقيداته وبين رهانات الداخل وضغوط الخارج، يبقى الشارع العراقي هو الحَكَم الأخير فيما يقترب يوم الحسم سريعاً وسط ترقب محلي وإقليمي لما ستسفر عنه صناديق اقتراع بغداد.
تمثل الانتخابات محطة مفصلية في مسار التجربة الديمقراطية العراقية فهي ليست مجرد تداول دوري للسلطة بل اختبار حقيقي لقدرة النظام السياسي على تجديد شرعيته في إطار دستوري وقانوني واضح وفي بيئة سياسية متقلبة وتبقى بغداد – وبالأخص دائرتها الأولى – البوصلة التي ستحدد اتجاه المرحلة المقبلة فيما يظل الناخب العراقي هو العامل الحاسم الذي يمكن أن يقلب الموازين على كل الحسابات.